باعتبار انّ الجعل له بقاء واستمرار ، كالفسخ في العقد الخياري ، فإنّه فسخ لنفس العقد الذي هو يمثل الجعل ، فإنّ المولى حينما يريد الفسخ يرفع يده عن هذا الاستمرار والبقاء ، غاية الأمر انّ هناك فرقا بين المولى سبحانه وتعالى ، وبين المولى العرفي ـ الإنسان ـ فإن المولى تعالى حينما جعل الحكم بنحو كلي ومطلق يعلم من أول الأمر بأنه سوف يرفع يده عن هذا الجعل بعد مدة ، بخلاف المولى العرفي فإنه يتخيّل له بأن هذا الجعل سوف لن يرفع يده عنه ، بل قد لا يعلم بذلك أبدا ، إذن فالنسخ بناء على هذا هو عبارة عن رفع اليد عن الجعل كما هو الحال في النسخ العرفي.
وبناء على هذا المسلك ، فإنّ اصالة عدم النسخ حينئذ ، ليس معناها اصالة الإطلاق ، لأنّ اصالة الإطلاق ، مرجعها إلى توسعة دائرة المجعول ، والنسخ ليس تقييدا في المجعول كي نحتاج إلى اصالة الإطلاق لنتمسك بها لنفي القيد ، بل هو رفع للجعل ، ولا يمكن التمسك بإطلاق نفس الدليل لنفي النسخ باعتبار انّ هذا الدليل مفاده أصل حدوث الجعل ، وليس ناظرا إلى مرحلة بقائه واستمراره.
وبعبادة أخرى ، إنّ الدليل باعتباره جملة إنشائية ، فهو لا يتكفّل إلّا إنشاء الجعل ، وأمّا بقاء الجعل واستمراره فإنّهما ليس من شئون الجملة الإنشائية ، بل هما من شئون جملة خبرية أخرى وفي عهدتها ، إذن فعدم النسخ لا يمكن إثباته بإطلاق الدليل ، لا بإطلاق المجعول ، لأنّ النسخ ليس تقييدا في المجعول لننفيه بإطلاق المجعول ، ولا بإطلاق الجعل ، لأنّ الدليل يوجد الجعل وينشئه ، وإطلاق الجعل ، يستحيل أن يتكفله نفس دليل ذلك الجعل الذي يكون إنشاء لذلك الجعل ، لأنّ ذلك الدليل لا نظر له إلى بقاء الجعل وارتفاعه إذ ليس هذا من شأنه ، وإنّما البقاء والاستمرار من شئون الجملة الخبريّة.
إذن ، بناء على هذا المسلك فعدم النسخ لا يمكن إثباته بالإطلاق ، لا بلحاظ الجعل ولا بلحاظ المجعول.