وأمّا البداء على مستوى إجماع الطائفة ، فالذي يبدو انّ هذا المعنى الإجمالي مقبول لها حيث أنّ جلّ علمائها تكلّموا عنه وحاولوا توجيهه وتصحيحه ما عدا الخواجة نصير الدين الطوسي الذي أنكره محتجّا بما تقدّم وعرفت (١).
إلّا انّ هذا القبول من جلّ علماء الطائفة ، لا يعتبر أكثر من إجماع إجمالي ، لاختلافهم في تفسيره ، فلو فرض انّه تردّد المعنى بين أمور ، بعضها صحيح ، وآخر غير صحيح ، حينئذ ينحل هذا الإجمال ، فالذي هو ثابت بالتواتر ، ثابت بالقرآن وكذلك بالنسبة للعقل.
وقد صار هذا المعنى الإجمالي سببا لإشكال أساسي نشأ من افتراض أصل موضوعي ، وهذا الأصل هو : انّ نسبة البداء إلى الله تعالى يستلزم تغييرا في علم الذات المقدسة بالنسبة لما يحصل لها من بداء ، وهو تعبير آخر عن نسبة الجهل إليه تعالى. فإذا نسب هذا المعنى لله تعالى فيلزم ما ذكر ، ذلك لأنّ البداء ، معناه لغة ، اتّخاذ الرأي على خلاف ما كان سابقا ، إذ انّه مصدر ، بداء ، يبدو ، بدوا ، بداء.
وهذا المصدر معناه ما ذكر ، ولذا اتّخذ هذا التفسير أصلا (٢) موضوعيا في قبح نسبته إلى الله تعالى (٣).
وهذا الإشكال هو الذي حاول العلماء معالجته ، ومن هنا ذكر الميرزا النائيني (قده) في تقريراته ، انّ البداء ثابت إجمالا ، ولكن لا يمكننا إدراك معناه تفصيلا ، ولذا ، فنتعبّد به من دون إدراك حقيقته.
__________________
أشعيا فصل ٣٨ ـ العهد القديم ـ سفر الملوك ، الفصل الأول طوبيا. فصل ٤ التلمود. الفصل الثالث ـ المشنة ـ ١ ـ ١١ ـ ١٣.
(١) لعلّ الوجه في إنكاره هو كون البداء لغة معناه ، التغير والتبدل الكاشف عن الجهل ـ المقرر.
(٢) تفسير الرازي ـ ج ٤ ـ ص ٢١٦ المطبوع في ثمانية مجلدات.
(٣) قد يقال : بأن حمل البداء على الذات كما هو في حمل الصلاة عليها. أو كحمل المكر والكيج ، والخديعة ، والنسيان ، والأسف ، واليد ، والمجيء وغيرها من أشكال المجازات والمشاكلة في كلمات البلغاء والقرآن الكريم. المقرر.