هذا الفاعل ، فإنّ دعاء الإنسان أو تصدّقه هو الذي أوجب تغييرا في النتيجة المترقبة ، وإن كان بحسب الدقة لم يوجد أيّ تغيير في القضاء ، بل هذا إمضاء للقضاء بحسب الحقيقة ، إذن فبتطعيم البيان المذكور بذلك يعرف نكتة تسميته بالبداء ، فإنّه لو لم يترك هذا الباب للإنسان مفتوحا ، لما شعر الإنسان بفاعليته وقدرته على تقرير مصيره ، وعلى تغيير وجه الكون.
وعلى هذا المعنى من البداء تنطبق الخصوصيات المذكورة في روايات استجابة الدعاء ، من أنّ الدعاء يردّ القضاء وأنّ صلة الرحم تطيل العمر ، وأنّ الصدقة تدفع البلاء الخ ...
وبهذا يظهر انطباق الخصائص التي ذكرناها على هذا المعنى وأنّ الله ما عبد وما عظّم بمثل البداء وذلك لأنّ البداء بالمعنى المذكور يكون حافزا للعبادة والدعاء ونحو ذلك من أعمال الخير باعتبار أنّه جعل لتصرّف الإنسان بالصدقة ، وصلة الرحم ، والدعاء ، وإغاثة الملهوف دخل في تنجز القضاء وعدمه.
الفكرة الثانية : هي أن يقال : إنّه لا نتصوّر قضاء شرطيا ، وآخر تنجيزيا بل نتصوّر منه تعالى قضاءين كلاهما تنجيزي إلّا أنّ أحدهما أقوى من الآخر ولكن يميزان وهما بعد كل هذا متعارضان ، وبما أنّهما متعارضان ، فيقدم الأقوى.
وتوضيح ذلك : هو أنّ الله سبحانه وتعالى حينما خلق الكون وضع في طبائعه فاعلية وسببية بحسب قابليات الأشياء إلّا أنّ هذه السببيات ليست عليتها علية لا تقاوم ، بل هي علية يمكن مقاومتها فهو خلق النار وجعل فيها سببية الإحراق ، ولكن يستطيع تجميد هذه السببية ساعة يشاء كما جمّد سببية نار إبراهيم عليهالسلام في الإحراق وألغى فاعليتها ، وهذا قضاء من الله سبحانه.
وقد يمثل لذلك بما لو فرض أنّ الإنسان صنع أداة معيّنة ، وهي بدورها تصنع نتائج معيّنة ولا يستطيع أن يتحكّم بهذه الأداة بعد صنعها ، وقد يفرض أنه يستطيع أن يتحكم بها ، وهذه الاستطاعة وتصرفه بتجميد هذه الأداة ساعة يشاء هو قضاء أيضا ، يقوم به لتجميد القضاء الآخر ،