الأولي ، فينتزع منه مفهوما كما انتزع من الخارج ، نسمّيه بالتعقل الثانوي ، فهنا الذهن بعد أن تصور الإنسان العالم ، والإنسان اللّاعالم ، والإنسان غير المقيّد بأحدهما ، يأتي مرة ثانية إلى نفس تصوراته التي هي تعقلات في مرحلة تعقله الأول ، فينتزع منها ثلاثة مفاهيم نسمّيها بالتعقلات الثانوية ، حيث أنّ الذهن بعد أن تصور الإنسان العالم ، والإنسان اللّاعالم ، والإنسان الخالي عن كلا القيدين ، جاء مرة أخرى إلى نفس تصوراته الأولية هذه ، فانتزع من التصور الأول مفهوم الماهية المقيّدة بلحاظ العلم ، ومن التصور الثاني ، مفهوم الماهيّة المقيّدة بعدم العلم ، ومن التصور الثالث ، مفهوم الماهيّة الخالية من كلا القيدين ، ثم ينتزع الذهن مفهوما رابعا يكون هو المفهوم الجامع بين المفاهيم الثلاثة ، وهذا الجامع هو المسمّى ، «بالماهية اللّابشرط المقسمي» ، وهذا الجامع لم يكن وجوده بنحو مستقل ممكنا في مرحلة التعقل الأولي للذهن ، لنفس السبب الذي ذكرناه في عدم إمكان وجود قسم ثالث في مرحلة الخارج ، بينما كان وجوده كذلك ممكنا في مرحلة التعقل الثانوي للذهن ، لنفس السبب الذي ذكرناه في مقام توجيه قسم ثالث في مرحلة التعقل الأولي للذهن.
إلى هنا ثبت أنّه عندنا صورتان في عالم الخارج ، وفي عالم التعقل الأول للذهن ، عندنا ثلاث صور ، وفي عالم التعقل الثاني للذهن ، عندنا أربع صور ، وهكذا كلّما صعد الذهن في التصور زادت الصور صورة.
ثم إنّه قد يتخيّل ويقال : بأنّ الصورة الثالثة في التعقل الأول للذهن التي سمّيناها «باللّابشرط القسمي» والذي قلنا إنّها عبارة عن لحاظ الماهية مجرّدة عن لحاظ وجود القيد فيها وعدمه ، قد يقال (١) : إنّ هذه الصورة هي عبارة عن لحاظ الماهية مع لحاظ عدم دخل القيد وجودا وعدما كما ذهب إلى ذلك السيد الخوئي (قده).
إلّا انّ هذا التخيل فاسد ، والوجه في ذلك هو ، إنّه إن أريد بلحاظ عدم
__________________
(١) محاضرات فياض ـ ج ٥ ـ ص ٣٦٢ ـ ٣٦٣.