وجدناها كلّها خصوصيات ذهنية من شئون اللحاظ والصورة الذهنية للماهيّة ، فإنّ الصورة الذهنية للماهية في عالم الذهن ، تارة ينصب عليها لحاظ العلم ، وأخرى لحاظ عدم العلم ، وثالثة ، لا ينصب عليها أيّ من اللحاظين ، وهذه شئون للصورة ، ولهذا تسمّى هذه القيود بالقيود الثانوية ، لأنّها قيود للمعقول الأول ، بينما نفس العلم واللّاعلم ، معقولات أوليّة لأنّها قيود للخارج.
ونحن حينما نقارن بين القيود الثانوية والأولية ، نجد أنّ القيد الثانوي في القسم الأول ، الذي هو «الماهيّة بشرط شيء» ، يوازيه قيد ومعقول أوّلي هو ، نفس العلم ، ونجد أنّ القيد والمعقول الثانوي في القسم الثاني ، الذي هو «الماهية بشرط لا» ، يوازيه معقول وقيد أوّلي هو ، نفس عدم العلم ، بينما إذا نظرنا إلى القيد والمعقول الثانوي في القسم الثالث الذي هو ، «الماهية لا بشرط» ، وهو عدم لحاظ العلم ولا اللّاعلم ، نرى أنّه لا يوازيه قيد ومعقول أولي ، وذلك ، لعدم وجود قسم ثالث مستقل من هذا القبيل في الخارج ، ومن هنا كان القسم الثالث في القسمة الذهنية ، يشكل جامعا بين القسمين في القسمة الثنائية الخارجية.
وقد أشرنا سابقا إلى أنّ الجامع بين فردين بلحاظ وعاء ، يستحيل أن يكون له وجود مستقل عنهما بلحاظ ذلك الوعاء ، لأنّه خلف كما تقدّم ، لكن يمكن أن يكون له وجود مستقل في وعاء آخر متأخر رتبة عن ذلك الوعاء ، من دون أن يلزم الخلف ، وذلك كما في عالم الذهن ، فإنّه يمكن وجود قسم ثالث مستقل ، وهو «الماهية لا بشرط» ، باعتبار أنّه يمكن لحاظ إنسان غير مقيّد بالعلم ولا بعدمه ، ويكون موجودا بوجود مستقل عن «الإنسان العالم ، والإنسان اللّاعالم» ، لأنّ هذا الوعاء هو وعاء الذهن ، ووعاء جامعيته وعاء الخارج ، فلا يقال : بأنّ وجوده المستقل ينافي جامعيته ، إذن ، فلا يلزم التهافت والخلف من وجوده المستقل.
ثم إنّ هذه الصور الذهنية الثلاث ، إذا لاحظناها بما هي معقولات أولية ، يمكن أن تكون بنفسها موضوعا لتعقلات ثانوية ، وذلك لأنّ الذهن بعد أن ينتزع مفهوما من الخارج ويتعقله ، يمكنه أن يلتفت إلى نفس تعقله