أقسام ثلاثة ، بل قسمين فقط ، لأنّ الملحوظ في الاعتبار الثالث محفوظ في كلا ذاتيّ الملحوظين في الاعتبار الأول والثاني ، لأنّ الأول تعلّق بماهية الإنسان العالم ، والثاني تعلّق بماهية الإنسان اللّاعالم ، والثالث تعلّق بذات الإنسان غير الملحوظ معه العلم ولا عدمه ، وذلك لأنّ التقابل يكشف عن أنّ الأقسام عرضية ، بينما نجد هنا أنّ الملحوظ في القسم الثالث ـ لا بشرط ـ محفوظ في ذات الملحوظ الأول وذات الملحوظ الثاني ، وهذا ينتهي بنا إلى القول : بأنّ التقسيم والتخصيص في المقام إنّما هو بلحاظ عالمين ، الأول : لحاظ عالم الخارج ، الثاني : لحاظ عالم الذهن ، فالقسمة حينئذ تكون ثنائية ، لأنّه ليس لدينا سوى حصتين فقط ، «إنسان عالم» ، و «إنسان غير عالم» ، ولا يوجد خارجا ، إنسان لا يتصف بإحدى هاتين الصفتين حيث يكون لا عالم ولا لا عالم ، وذلك لاستحالة ارتفاع النقيضين خارجا ، كما أنّ الجامع بين الإنسان العالم والإنسان اللّاعالم موجود خارجا ضمن أحد هذين القسمين لا بوجود مستقل ، وإلّا لما كان جامعا ، بل كان قسما مقابلا ، وهذا خلف كونه جامعا ، لأنّ الجامع بين فردين ـ بلحاظ أي عالم ـ لا يعقل أن يكون موجودا في ذلك الوعاء الذي يجمع بين أفراده فيه ، إلّا في ضمن تلك الأفراد ، لأنّه لو كان موجودا بوجود مستقل في مقابلها ، لكان مغايرا لها ، ومعه لا يكون جامعا بينها.
والحاصل هو ، إنّه في عالم الخارج ، عندنا قسمان فقط ، فتكون القسمة ثنائيّة لا ثلاثيّة.
وأمّا بلحاظ عالم الذهن ، فالقسمة تكون ثلاثية ، فإنّ الذهن البشري له قدرة على انتزاع مفاهيم من الأمور الخارجية على نحو يناسبها ، ولذا ، فإنّ الذهن في مقام انتزاع تلك المفاهيم ، يمكنه أن ينتزع مفهوم الإنسان العالم ، ومفهوم الإنسان غير العالم ، ومفهوم الإنسان دون تقيده بالعلم أو عدمه ، وهذا القسم الثالث هو ، المسمّى باللّابشرط القسمي ، وهذه المعقولات تسمّى معقولات أوليّة ، لأنّها منتزعة من الخارج مباشرة ، وكل واحد من هذه المعقولات يباين بخصوصيته الآخر ، ومن هنا كانت الأقسام هنا ثلاثة.
ونحن إذا حلّلنا هذه القيود التي تجعل هذه المعقولات متقابلة ،