٢ ـ الاحتمال الثاني : هو أن يكون المراد من عدم نصب قرينة متصلة هو ، الإتيان بكلام دالّ بالفعل على نفي الحكم عن غير المقيد ، وحينئذ ، بناء على هذا ، لو فرض أن جاء مطلقان متعارضان بنحو العموم من وجه ، كما في مثالنا المتقدم ـ «أكرم العلماء ولا تكرم الفاسق» ـ فالمقدمة الثانية من مقدمات الحكمة محفوظة ، بناء على هذا التفسير ، لأنّ كلّا من المطلقين لا يدلّ بالفعل على نفي الحكم عن غير المقيّد في الآخر ، وعليه : فالمقتضي في كلّ منهما موجود ، وحينئذ ، يكون التعارض بين الإطلاقين ، من باب تزاحم المقتضيين ، ويصير حالهما حينئذ حال ظهورين عموميين وضعيين إذا تعارضا.
وبناء على هذا التفسير والاحتمال ، لو ورد مطلق وعام ، مثل : «أكرم العالم ، ولا تكرم أيّ فاسق» ، فهنا مقدمات الحكمة تنهدم في «أكرم العالم» ، لأنّ مقدمات الحكمة فيه متوقفة على أن لا يأتي المتكلم ببيان يكون دالّا بالفعل على عدم وجوب إكرام الفاسق من العلماء ، والمفروض أنّ العام الوضعي هنا «لا تكرم أيّ فاسق» ، دالّ بالفعل على عدم وجوب إكرام الفاسق من العلماء ، لأنّ دلالته وضعيّة تنجيزيّة ، فيكون العام الوضعي رافعا لمقدمات الحكمة في المطلق ، وحينئذ ، لا ينعقد الإطلاق اصلا ، وهذا معنى ما يقولون : من حكومة العام على المطلق ، لأنّ ظهور العام تنجيزي ، وظهور المطلق تعليقي.
٣ ـ الاحتمال الثالث : هو أن يكون المراد من عدم نصب قرينة متصلة ، هو أن لا ينصب المتكلم قرينة على القيد ـ لا أنّه لا يأتي ببيان يدلّ على عدم ثبوت الحكم لغير المقيّد ـ بحيث لو كان المطلق عاما أيضا لكان هذا صالحا لتقييده ، لأنّه قرينة على القيد ، وحينئذ ، لو ورد مطلق وعام وضعي في وقت واحد ، فقد تتم مقدمات الحكمة في المطلق ولا يكون هناك حينئذ حكومة للعام عليه ، لأنّ العام ليس قرينة على القيد ، لأنّ النسبة بينه وبين المطلق العموم من وجه ، ولذا لو كان المطلق عاما لما كان في أحدهما قرينة على الآخر ، نعم ، هو وإن دلّ على نتيجة التقييد ، لكن لسانه ليس لسان التقييد ،