وأمّا المقدمة الثالثة من مقدمات الحكمة ، وهي أن لا يكون هناك قدر متيقن في مقام التخاطب ، فقد اتّضح أنّه لا أساس لها ، حيث عرفت أنّه لا يشترط في الإطلاق الحكمي عدم وجود قدر متيقن في مقام التخاطب ، بل الإطلاق ثابت حتى مع وجود قدر متيقن في مقام التخاطب.
هذا حاصل الكلام في مقدمات الحكمة ، وحاصل تطبيق ما ذكرنا في بيانها كما ورد في الكتب.
ثم إنّ المحقق النائيني (قده) ذكر أنّ مقدمات الحكمة تقلب «اللّابشرط المقسمي» إلى «اللّابشرط القسمي» ، وهو الذي نعبّر عنه بالمطلق ، فمدلول اللفظ الذي يدلّ عليه بالوضع من أول الأمر هو ، الجامع بين المطلق والمقيّد ، وهذا المسمّى «باللّابشرط المقسمي» ، وهذا هو الذي ينقلب إلى «اللّابشرط القسمي» ، وهو المسمّى «بالمطلق» بالخصوص.
وهذا التعبير بحسب الروح صحيح ، وإن اختلفنا عنه في المصطلح ، حيث أنّ الأحسن أن يقال : بأنّ مقدمات الحكمة تقلب الطبيعة المهملة إلى الطبيعة المطلقة بناء على أن يكون المراد من المطلق هنا ، ما ذكرناه من «لحاظ الماهيّة مع عدم لحاظ القيد» ، وليست لحاظ الماهية مع لحاظ عدم القيد كما فسّره السيد الخوئي (قده) حيث ذهب إلى أنّ المطلق اللّابشرط القسمي ، هو لحاظ الماهية ولحاظ عدم القيد ، إذ أنّ مقدمات الحكمة لا تبرهن على لحاظ عدم القيد كما عرفت سابقا ، بل هي تبرهن على أنّ تمام مراد المتكلم هو ما بيّنه ، أي ـ ذات الطبيعة ـ وهذا يثبت أنّ المتكلم لم يلحظ القيد ، لا أنّه لحظ عدم القيد.
وهذا منبّه برهاني على عدم صحة تفسير المطلق بما فسّره به السيد الخوئي (قده) ، لأنّ مقدمات الحكمة لا تفي بالمطلق هذا ، بل إنّ ما تفي مقدمات الحكمة بإثباته هو كون المطلق عبارة عن لحاظ الماهيّة وعدم لحاظ الزائد ، لا لحاظ عدم الزائد ، وهذا ما عبّرنا عنه ، بأنّ مقدمات الحكمة تقلب الطبيعة المهملة إلى الطبيعة المطلقة.
هذا تمام الكلام في مقدمات الحكمة.