وتارة أخرى ، نحمّل جزئية أمر آخر برأسه ، كما لو احتملنا وجوب المضمضة ، وكان قد سكت عنها في سياق ما سمّاه من أجزاء ، فهنا لا يمكن إعمال مقدمات الحكمة والتمسّك بالإطلاق الحكمي ، وذلك لأنّ المضمضة المحتمل وجوبها ، هي على فرض ثبوت جزئيتها في الواقع ، لا تكون قيدا في موضوع غسل الوجه ـ أي المراد الجدّي في الدليل ـ سواء كانت جزءا أو لم تكن ، وبهذا ، لا يكون كلامه دائرا بين المطلق والمقيّد.
وكون المتكلم انّه في مقام بيان تمام موضوع حكمه ، لا ينافي ان يكون له حكم آخر وراء هذا الحكم ، وإنّما يمكن التمسّك بالإطلاق المقامي فيما إذا ثبت انّ المتكلّم في مقام استيعاب تمام أجزاء الوضوء وقد سكت عن جزئية المضمضة ، لأنّ نفس الدليل الذي يدلّ على أنّه في مقام استيعاب تمام أجزاء الوضوء ، مع سكوته عن جزئية المضمضة ، يدلّ بالالتزام على أنّ ما سكت عنه ليس جزءا ، وإلّا لكان خلف الدليل الدالّ على أنّه في مقام استيعاب تمام أجزاء الوضوء.
ولكن الدليل الذي يدلّ على أنّ المتكلّم في مقام استيعاب تمام أجزاء الوضوء اتفاقي قد يحصل ، وقد لا يحصل ، كما لو قال : «غسل الوجه جزء من الوضوء» ، فليس ثمّة ما يدل على أنّه في مقام استيفاء تمام أجزاء الموضوع ، وهذا بخلاف الظهور الحالي السياقي الذي هو الأساس للإطلاق الحكمي ، فإنّه ثابت على القاعدة في كل مورد تصدّى فيه المتكلّم لإبراز تمام موضوع الحكم المدلول بكلامه ، فإنّ ظاهر حاله أنّه بيّن تمام موضوع ذلك الحكم ، ولهذا يكون الإطلاق الحكمي على القاعدة ، ظهورا عاما ليس بحاجة إلى عناية خاصة.
وهذا بخلاف الإطلاق المقامي ، فإنّه باعتبار كونه مرتبطا بمرام آخر علاوة على مدلول الكلام ، يصبح بحاجة إلى عناية زائدة وقرينة على أنّه في مقام بيان ذلك المرام وتلك الحيثية والجهة التي لم يبرزها المتكلّم بكلامه الأول الذي تكلّم به ، وهذه القرينة في الإطلاق المقامي على نحوين.