يراد رفعه ونفيه بالإطلاق هو شيء ، على فرض ثبوته ، يكون قيدا في المدلول الجدّي للفظ وموجبا لتضييق دائرة هذا المدلول الجدّي ، فالإطلاق الحكمي ينفي القيد بظهور عام ولا يحتاج إلى قرينة في مورده ، فهو غير ذاك الظهور الحالي السياقي المتقدم ، ومن هنا كان الإطلاق الحكمي هو مقتضى الأصل ، فمثلا : حينما يقول : «أكرم الفقير» ، فهنا الكلام مطلق ، ولكن يحتمل أن يكون مقيدا بالعدالة ، وهي على فرض دخالتها في مراد المولى ، تكون مقيدة ومضيّقة لهذا المراد ، وفي مثل ذلك ، المراد الجدّي «لأكرم الفقير» ، يدور أمر العدالة فيه ، بين كونها دخيلة في موضوعه ضمنا أم لا ، وحينئذ ، بالإطلاق الحكمي ، نثبت عدم دخالتها بهذا الظهور العام من دون حاجة إلى قرينة في مورده ، بل بذاك الظهور العام الذي هو غير ذاك الظهور الحالي السياقي المتقدم.
وأمّا الإطلاق المقامي ، فهو شيء نريد أن ننفي به أمرا محمّلا ، وهذا الأمر المحمّل على تقدير ثبوته لا يكون قيدا في المرام الجدّي للكلام الذي بين أيدينا ، وإنّما يكون مراما آخر في مقابل هذا المرام ، فمثلا : إذا قال الإمام عليهالسلام ـ في مقام بيان الوضوء ـ : «ألا أعلّمكم وضوء رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم» ، ثم قال عليهالسلام : «غسل الوجه جزء من الوضوء ، وغسل اليدين جزء ، ومسح الرأس والقدمين كلّ منهما جزء ...» ، الخ.
فهنا تارة نشكّ بأنّ غسل الوجه الذي هو جزء ، هل هو غسل الوجه كيفما اتّفق ، أم غسله من أعلى إلى أسفل؟ فهنا تجري مقدمات الحكمة ، ونتمسك بالإطلاق الحكمي لإثبات أنّ الغسل جزء كيفما وقع ، لأنّه لو كانت الجزئية مخصوصة بخصوص حصة خاصة من غسل الوجه ، وهي من أعلى مثلا ، لكان هذا قيدا زائدا في المرام الجدّي من كلامه ، فيجب بيانه ، ولكن المفروض أنّ الكلام لا يقتضيه ، فننفيه بالإطلاق الحكمي ويتعيّن بمقتضى ذلك الظهور الحالي ، انّ ما هو جزء إنّما هو طبيعي غسل الوجه ثبوتا ، لأنّه هو المبيّن إثباتا ، إذن فالمرجع هنا هو الإطلاق الحكمي.