٣ ـ الأمر الثالث : من أسباب الانصراف هو ، مناسبات الحكم والموضوع العرفيّة الموجودة في الخطاب ، وذلك بأن يفرض انّ الخطاب متعرّض لعملية أو تشريع ، وهذه العملية عرفيّة لها تطبيق عرفي أو تشريع له جذور عرفية ، والعرف بما هو مركوز عنده من مناسبات ، له نحو استيناس بمقدار هذه العمليّة وبحدود هذا التشريع ، وحيث انّ استيناسه يكون بين الحكم وبين حصة معينة ، لذلك ينصرف ذهنه إلى الحصة الخاصة ، مثلا : إذا قيل : «الماء مطهّر» ، فالمطهريّة حكم له منشأ عرفي ، والمركوز في ذهن العرف ، انّ الماء المطهّر يجب أن لا يكون قذرا في نفسه ، فيفهم من دليل المطهّريّة بمناسبة الحكم والموضوع ، انّ المراد من الماء المطهّر هو ، الماء الطاهر في نفسه لا النجس ، فينصرف لفظ الماء إلى هذه الحصة الخاصة ، وهذا الانصراف نشأ من مناسبات الحكم والموضوع ، ولذا لو تغيّر الحكم تغيّر الانصراف ، فمثلا : لو ثبت كراهة نظر المحرم إلى الماء ، فإنّه حينئذ لا ينصرف الذهن إلى الماء الطاهر ، ولذا يتمسّك حينئذ بإطلاق الماء ، فيشمل الطاهر والنجس ، ومثله قوله تعالى : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ) فبما انّ مسح الرأس عملية عرفية لها تطبيق عرفي خارجا ، حيث أنّ أيّ إنسان إذا أراد مسح رأسه ، مسحه بكفه ، فيوجب انصراف المسح إلى المسح باليد.
وهذا الانصراف حجة ، ويكون هادما لمقدمات الحكمة ومانعا لها من الدلالة على الإطلاق ، لأنّه يوجب ظهورا في الدليل في إرادة المقيّد ، لأنّ مناسبات الحكم والموضوع قرائن لبّية متصلة تكتنف الدليل وتشارك في ظهوره في مرحلة المدلول التصديقي ، وإذا تمّ ظهوره في المقيّد لم يتمّ الإطلاق حينئذ.
٥ ـ التنبيه الخامس :
من تنبيهات مقدمات الحكمة هو ، في التمييز بين الإطلاق الحكمي الثابت بمقدمات الحكمة ، والإطلاق المقامي ، وهذان الإطلاقان مختلفان جوهرا وأساسا ، وذلك انّ التقييد المحتمل في موارد الإطلاق الحكمي والذي