الذهن بدرجة بحيث لا يرى عرفا انّه فرد من هذه الطبيعة ، فإنّه مثله حينئذ ينهدم الإطلاق ، لأنّه لا يكون اللفظ موضوعا للمقسم.
٢ ـ الأمر الثاني : من أسباب الانصراف هو كثرة استعمال اللفظ في خصوص حصة من بين حصص الطبيعة ، لا على نحو المجاز فقط ، بل قد يستعمل اللفظ فيها وتراد منه بنحو تعدد الدال والمدلول ، وحينئذ ، هذا الاستعمال الكثير والاقتران المتكرر بين اللفظ وهذه الحصة ، يوجب حدوث أنس ذهني بين اللفظ وتلك الحصة ، وهذا الأنس بدوره يوجب انصراف الذهن إليها عند الإطلاق ، فمثلا : لفظة «إمام» ، معناها لغة : كلّ من يقتدى به ، لكنها استعملت كثيرا في من يقتدى به في الصلاة ، وأريد منها هذا المعنى كثيرا ولو بنحو تعدّد الدالّ والمدلول ، فحصل بينه وبين هذه الحصة أنس أوجب الانصراف عند استعماله ، وهذا الأنس الذهني لفظي ، لأنّه حصل بسبب اللفظ ، وهذا الأنس الذي نشأ من كثرة الاستعمال هو الذي يؤدي إلى الوضع التعيني في مرتبة من مراتبه ـ كما ألمحنا إلى ذلك في بحث الوضع ـ وعليه : فهذا الأنس له مراتب بعضها أشدّ من بعض ، بحيث تصل إلى مرتبة نسميها بالوضع التعيني ، ومن الواضح انّ هذا الأنس إذا وصل إلى هذه المرتبة من دون هجر المعنى الأول ، فسوف يصبح اللفظ حينئذ مشتركا لفظيا بين المعنى الأعمّ والحصة الخاصة ، وحينئذ ، إذا أطلق اللفظ بعد ذلك وتردّد بين المعنيين ، يكون مجملا ، كما هو الحال في كل مشترك إذا أطلق ولم يعيّن أحد معنييه بقرينة ونحوها ، وأمّا إذا لم يصل إلى هذه المرتبة ، وإنّما كان قريبا منها جدا ، فحينئذ سوف تحصل مرتبة معتدّ بها من الأنس ـ وإن لم تصلح للوضع ـ فهي تصلح لأن يعتمد عليها المتكلّم في مقام بيان إرادة الحصة الخاصة ، ولا يكون الاعتماد عليها حينئذ خارجا عن ذلك الظهور الحالي السياقي الذي هو الأساس في مقدمات الحكمة ، وحينئذ ، يمكن القول : إنّ إرادة المتكلّم للمقيّد مع هذه المرتبة من العلاقة بين اللفظ والحصة لا يلزم منه خلف ذلك الظهور ، لأنّ البيان الذي يجب على المتكلّم أن يوفّره ، ليس بأقوى من ذلك ، وحينئذ ، يكون هذا الانصراف موجبا للخلل في مقدمات الحكمة ، كما يوجب إجمال الكلام.