(إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (٣٤))
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) : لله علوم ، منها عامّ ، ومنها خاصّ ، ومنها خاص الخاص ، فالعلم العام : علم الشريعة ، وعلم الخاص علم الحقيقة ، وعلم خاص الخاص علم السر ، وهو علم الغيب ، ومن علم الغيب ما يطّلع عليه الأنبياء والأولياء والملائكة بقوله : (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً (٢٦) إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) ، ومنه ما استأثر لنفسه لا يطّلع عليه ملك مقرب ولا نبيّ مرسل بقوله : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ) ، ومنه أيضا علم الساعة ، وهذه الآية برمتها ، أما الساعة خاصة سرّها عن جميع الخلق حتى أكد الأمر بقوله : (أَكادُ أُخْفِيها) [طه : ١٥] ، إلا أن أماراتها بانت من لسان صاحب الشرع صلوات الله وسلامه عليه ، ولا تخفى هذه الأمارات إلى وقوع الساعة على بعض أولياء أمته ، حتى قال يوسف بن الحسين رحمة الله عليه : علمت متى ينزل عيسى عليهالسلام ، ومن أي قبيلة يتزوج.
وأما قوله سبحانه : (وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ) : لا يعلم أحد في أي لحظة ينزل ، ولكن كثيرا ما سمعت من الأولياء يقول : يمطر السماء غدا أو ليلا فيمطر ، كما قال : كما سمعنا أن يحيى بن معاذ كان على رأس قبر ولي وقت دفنه ، وقال لعامة من حضروا إن هذا الرجل من أولياء الله إلهى إن كنت صادقا فأنزل علينا المطر ، قال الراوي : فنظرت إلى السماء وما رأيت فيها راحة سحاب فأنشأ الله سبحانه سحابة مثل ترس فمطرت فرجعنا مبتلين.
قوله تعالى : (وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ) : وسمعت أيضا من بعض أولياء الله أنه أخبر ما في الرحم من ذكر أو أنثى ، ورأيت بعيني ما أخبر ، ولكن الله سبحانه يطلع على ما في الرحم ، بل ماء الرجل والمرأة أي : شيء يخلق منه حين نزل ولا يعلمه غيره ، وربما سمعت حديث واقعة الغد منهم قبل المجيء ، وبما قالوا أني أموت بموضع كذا ، ومنهم أبو الغريب الأصفهاني ـ قدس الله روحه ـ مرض في شيراز في زمان الشيخ أبي عبد الله بن حنيف ـ قدس الله روحه ـ وقال : إذا مت في شيراز فلا تدفنوني إلا في مقابر اليهود ؛ فإني سألت الله أن أموت في طرطوس ، فبرئ ومضى إلى طرطوس ومات بها رحمة الله عليه.
وقال القاسم في قوله : (وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ) : من كافر ومؤمن ومطيع وعاص ، وهذا دليل على أن الله يعرف الأشياء بالوسم والرسم ، الرسم يتغير ، والوسم لا يتغير.