ساءَ ما يَحْكُمُونَ (٢١) وَخَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٢٢))
قوله تعالى : (ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها) : شريعته منهاجه إلى الحق ، وذلك المنهاج جامع ؛ إذ فيها جميع شرائع الأنبياء ومقامات الأولياء أي : أنت لا تحتاج إلى من مضى من الأولين ؛ فأنت أكمل الخلق اتبع ما اختار الله لك من الطرق المستقيمة ؛ لذلك قال : «بعثت بالحنيفية السهلة السمحة البيضاء ، لو كان موسى حيّا ما وسعه إلا اتباعي» (١).
قال سهل : المنهاج سنن من كان قبلك من الأنبياء والأولياء ؛ فإنهم على منهاج الهدى والشريعة هي الشارع الممتد الواضح إلى طريق النجاة وسبيل الرشاد.
قال الصادق : الشريعة في الأمور محافظة الحدود فيها.
(أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٢٣) وَقالُوا ما هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (٢٤) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٥))
قوله تعالى : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) : من نظر إلى ما وصل إليه مما ابتلي به المريدون ، فقد اتخذ هواه إلها ؛ إذ بنفسه محجوب ، ومن باب المشاهدة مطرود ، وذلك بإضلال الحق إياه بما سبق في علمه بأنه يكون محجوبا منه به ، قال الله تعالى : (وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ.)
قال سهل : من اتبع مراده لم يسلك مسالك الاقتداء ، وآثر شهوات الدنيا على نعيم الآخرة ، ثم طمع أن له في الآخرة ما للمؤمنين من الدرجات الرفيعة والمنازل السنية.
وقال في قوله : (وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ) : ضلّ عليه علم نجاته ، ثم إن الله سبحانه أكد أمر ضلاله بقوله : (وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً) : ختم على سمعه وقلبه ختم الضلال والغيرة والقهر القديم ، وغطى بصره بعمى الكفر.
قال سهل : ختم على سمعه ، فحوى عليه سماع خطابه ، وحرّم على قلبه فهم خطابه وعلى عينه مشاهدة آثار القدرة في صنعه.
(قُلِ اللهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ
__________________
(١) رواه البيهقي في الشعب (١ / ٢٠٠) بنحوه.