والمشاهدة ، ولم يؤثر ذلك فيه ؛ لعلوّ حاله.
وقال سهل في قوله : (وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) : المشرف على سائر الكلام.
وقال الحسين : المطهر لمن اتبعه عن دنس الأكوان وهواجس الأسرار.
(تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٨))
قوله تعالى : (تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) (١) : بيّن الله سبحانه أنه بجلاله وقدره أظهر نوره مشكاة السماوات والأرض ، وبرز بنوره من نيرات السماوات ومن الجبال والبحار والأشجار وجميع المستحسنات لبصائر العارفين الراجعين إليه بنعت الشوق والمحبة ، ويريهم تلك الأنوار ؛ ليزيد علمهم ومعرفتهم به ، ويجدد عليهم أذكار نعم مشاهدته.
قال سهل : اعتبارا واستدلالا على توحيدهم لربهم وشكرهم له وذكرا لمن كان له قلب حاضر مع الله ، وعلمه يكتسب به علم الشرع ، (لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) أي : مخلص القلب بالتوبة إلى ربه وإدامة الذكر له بواجباته.
وقال الحران : المنيب المجيب القريب.
قال بعضهم : التبصرة معرفة من الله عليه ، والذكرى عدها على نفسه في كل حال وأوان ؛ ليشتغل بالشكر فيما عومل به عن النظر إلى شيء من معاملته.
(وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (٩) وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ (١٠) رِزْقاً لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ (١١) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (١٢) وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ (١٣) وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (١٤) أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (١٥))
__________________
(١) راجع بقلبه إلى ربه ، مطيع له تعالى ، إذ المنيب لا يخلو من النظر في آيات الله ، فيعتبر ، ويعلم أن من قدر على إنشاء هذه الأجرام العظام ، قادر على إحياء الأموات وبعثها ، وحسابها وعقابها.
الإشارة : يقول شيوخ التربية : بقدر ما يمزق الظاهر بالتخريب والإهمال ؛ يحيى الباطن ويعمر بنور الله ، وبقدر ما يعمر الظاهر يخرب الباطن ، فيقع الإنكار عليهم ، ويقول الجهلة : هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم في الظاهر كل ممزق ، يجدد الإيمان والإحسان في بواطنكم ، أفترى على الله كذبا أم به جنة؟ بل الذين لا يؤمنون بالنشأة الآخرة وهي حياة الروح بمعرفة الله في عذاب الحجاب والضلال ، عن معرفة العيان بعيد ، ما داموا على ذلك الاعتقاد ، ثم يهددون بما يهدد به منكرو البعث ، والله تعالى أعلم. البحر المديد (٥ / ١٢٦).