قال صلىاللهعليهوسلم : «من أحبّ لقاء الله أحبّ الله لقاءه ، ومن أبغض لقاء الله أبغض الله لقاءه» (١).
وقال الجنيد : المحب يكون مشتاقا إلى مولاه ، ووفاته أحب إليه من البقاء ؛ إذ علم أن فيه الرجوع إلى مولاه ، فهو متمني الموت أبدا ، وذلك قوله : (إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ) إلخ.
قوله تعالى : (فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ) : لما جرى حديث البيع والتجارة دعاهم إلى ذكره بنعت السرعة والاستباق ، وإلا دعا الكل في الأزل إلى نفسه ، فإن الذكر عند المذكور حجاب ، والسعي إلى الذكر مقام المريدين ، والمحقق في المعرفة غلب عليه ذكر الله إياه بنعت تجلي نفسه لقلبه.
قال النصرآبادي : العوام في قضاء الحوائج في الجمعات ، والخواص في السعي إلى ذكره لاستغنائهم بالغنى لم يبق لهم حاجة لعلمهم بالمقادير قد جرت ، فلا زيادة فيها ولا نقصان ، لكنهم يسعون إلى ذكره سعي مشتاق إلى مذكوره ، يطلب منه محل قربة إليه والدنو منه.
قوله تعالى : (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ) : إذا فرغتم من مشقة العبودية فانتشروا في الأرض إلى طلب أوليائي ، وجالسوهم ؛ لتستفيدوا من لقائهم وكلامهم ، الفوائد الغيبية ، والأنباء الملكوتية ، واجلسوا في مجلس السماع والقول ، فهناك فضل الله من الخطاب ، وكشف النقاب.
(وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً) ، أي : إذا فرغتم من جميع ذلك غيبوا بأرواحكم وقلوبكم وعقولكم في بحار الأولية والآخرية ، واذكروه به لا بكم ، واتركوا الذكر هناك بعد رؤية المذكور.
قوله تعالى : (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً) : أخبر الله سبحانه أنهم في أوائل إرادتهم إذا لم يبلغوا إلى حد الاستقامة في الصحبة ، شغلتهم حوائج النفوس عن صحبة النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فعاتبهم الله بذلك ، وأمره بأن يخبرهم أن ما عند الله من مشاهدته ولقائه ولذّة خطابه ومناجاته خير من جميع الحظوظ بقوله : (قُلْ ما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ) ، وفيه تأديب المريدين حين اشتغلوا عن صحبة المشايخ بخلواتهم وعباداتهم لطلب الكرامات ، ولم يعلموا أن ما يجدون في خلواتهم بالإضافة إلى ما يجدون في صحبة مشايخهم.
قال سهل : من شغله عن ربه شيء من الدنيا والآخرة فقد أخبر عن خسّة طبعه ورذالة
__________________
(١) رواه البخاري (٥ / ٢٣٨٦) ، ومسلم (٤ / ٢٠٦٥).