وأمان للخائفين ، وأنس للمريدين ، ونور لقلوب العارفين ، وهدى لمن أراد الطريق إلى ربه ؛ لأن الله يقول : (إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ.)
(إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٠))
قوله تعالى : (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ) : إن الله سبحانه وتعالى أخبرهم في الأوائل بالمجاهدات ، فلما صاروا أهل الذوق والمشاهدات لم يأت منهم المجاهدات ؛ لأن أهل الأنس والبسط غائبون بأنوار المشاهدات عن المجاهدات ، فتلطّف عليهم الحق ، بأن رفع عنهم أثقال العبودية ، وكاشف لهم أنوار الربوبية ، ثم أمرهم بأن يترنّموا بآيات من كتابه ما يوافق حالهم من خير وصول الوصال ، وصفاء الأحوال والبسط ، والانبساط ، والروح ، والراحات بقوله : (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) أي : ما يهيّج قلوبكم بنعت المحبة إلى مشاهدة الرحمن.
قال الواسطي في قوله : (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ) أي : لن تطيق القيام بأمره ، لن تضبطوا أعمالكم بالصحة والبراءة من العيوب ، فتاب عليكم ، فعاد عليكم بفضله ، وقبل منكم أعمالكم مع أن من لقيه بنعمه كان منقطعا عن المنعم بالنعم ، ومحجوبا بالصفات عن الذات.
وقال جعفر في قوله : (ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) : قال : ما يتيسر لكم في خشوع القلب ، وصفاء السر.
قوله تعالى : (وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ) : هذا العموم والخصوص خبر أنفاسهم التي صعدت منهم بنعت المحبة والشوق إلى الله ، فهم يجدونها بكشوف أنوار الذات والصفات ، ولكل نفس من أنفاسهم لهم هناك قرب ، ووصال ، وحسن ، وجمال.
قال الله : (هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً) أي : نفس المحبة والشوق خير من جميع الأعمال الصالحة ، وأجرها كشف اللقاء ، ثم أمر الجميع بالاستغفار عن رؤية الأعراض والأعمال عند رؤية جماله وجلاله ، بقوله : (وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ) أي : من السكون إلى الأحوال ، فإنه غفور