الدنو ، حيث لا يبقى رسوم البعد والقرب.
قال الجنيد : حين سئل العناية أولا أم الرعاية؟ قال : العناية قبل الماء والطين.
قال ابن عطاء : في قوله : (إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ) أي : معي ربي بعلمه وقدرته سيهديني إلى قربه حتى أكون معه بالمراقبة والرعاية والمحافظة والمشاهدة.
(فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعالَمِينَ (٧٧))
قوله تعالى : (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ) (٧٧) رأي الخليل عليهالسلام نفسه على مثابة في الخلة بألا يكون في زمانه له نظير يسمع كلامه من حيث حاله ، فوقع العداوة بينه وبين الخلق جميعا ، وأيضا هذا إخبار عن كمال محبته إذ لا يليق بصحبته ومحبته أحد غير الحق.
قال سمنون (١) : لا تصح المحبة لمن لم ينظر إلى الأكوان ، وما فيها بعين العداوة حتى يصح له بذلك محبة محبوبه ، والرجوع إليه بالانقطاع عما سواه.
ألا ترى الله تعالى حاكيا عن الخليل قوله : (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ) (٧٧) هجرت الكل فيك حتى صحّ لي الاتصال بك.
(الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (٧٨) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (٧٩) وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (٨٠))
قوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ) (٧٨) الذي خلقني بخلقه فهو يهديني بنفسه إلى نفسه ، وعرفني بصفاته ذاته وبذاته صفاته (وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ) (٧٩) يطعمني من موائد كشف جماله ، ويسقيني شراب المحبة من بحر جلاله (وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) (٨٠) إذا مرضت بداء محبته ، وسقمت بسقم شوقي إلى لقائه ؛ فهو يشفيني بحسن وصاله وكشف جماله.
وفي لقياك عجل لي شفائي |
|
بمقدمك المبارك زال دائي |
(وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (٨١))
قوله تعالى : (وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ) (٨١) الذي يفنيني بسطوات عظمته ، ويحييني بروح كشف بقائه.
تميت بها وتحيي من تريد |
|
لها في طرفها لحظات سحر |
__________________
(١) هو العارف بالله سمنون المحب ، ويقال : سمنون المجنون.