الفقر إذا كانت سجيّتهم لم تكن سجية أهل المعرفة ، فإذا كان حالهم كذلك لا يأتون إلى طريق الحق بنعت التجريد ، فالصحبة معهم ضائعة ، ألا ترى كيف عاتب الله نبيّه صلىاللهعليهوسلم بهذه الآية.
وقوله : (أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى (٥) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (٦) وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى) (٧) : كيف يتزكّى من خلق على جبلة حب الدنيا والعمى عن الآخرة والعقبى.
قال أبو عثمان : أمر الله تعالى نبيّه صلىاللهعليهوسلم بمجالسة الفقراء ، وحثّه على تعظيمهم ، ونهاه عن صحبة الأغنياء ، بقوله : (أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى (٥) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى) (٦).
قال الواسطي في قوله : (وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى) : استهانة بمن أعرض عنه (١).
(قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ (١٧) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (١٨) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (١٩) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (٢٠) ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ (٢١) ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ (٢٢) كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ (٢٣) فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ (٢٤) أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا (٢٥) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (٢٦) فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا (٢٧) وَعِنَباً وَقَضْباً (٢٨) وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً (٢٩) وَحَدائِقَ غُلْباً (٣٠) وَفاكِهَةً وَأَبًّا (٣١) مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ (٣٢) فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ (٣٣))
قوله تعالى : (قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ) : لعن الله الكافر ، وعظم كفره حين لم يعرف صانعه ، ولم يعرف نفسه التي لو عرفها عرف صانعها ، وكذلك عرّفه ماهية نفسه بقوله : (مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (١٨) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ) أي : قدّره أصنافا وأطوارا ، وفي كل صنف وطور له خلقة.
(ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ) : يسّر له طريق الهداية والضلالة.
قال الوسطي : ما أجهله بالمعرفة ، وذلك لجهله بالموارد والمصادر.
قال ابن عطاء : يسّر على من قدر له التوفيق طلب رشده واتباع نجاته.
وقال أبو بكر بن طاهر : يسّر على كل أحد ما خلقه له وقدر عليه.
قال جعفر : ما أجهله ، وأعماه عن الحق.
قوله تعالى : (كَلَّا لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ) أي : لم يف بالعهد الأول حين خاطبه الحق بقوله : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) ، ولم يأت بمراد الله منه ، وهو العبودية الخالصة.
قال القاسم : ذكر أوائله وأواخره وإرادته ، وإن كان ذلك من عنده ، ثم أمره بالتبتل إليه
__________________
(١) أي : وليس عليك بأس في ألّا يزّكّى بالإسلام حتى تهتم بأمره ، وتعرض عمن أسلم وأقبل إليك ، وقيل : «ما» استفهامية ، أي : أيّ شيء عليك في ألّا يزكّى هذا الكافر. البحر المديد (٧ / ٨).