(حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ.)
قال بعضهم : خطاب الأمر إذا وقع على الهياكل فمن بين مطيع وعاص ، وخطاب الهيبة إذا وردت تفنى وتعجز والإقرار معه ، كقوله : (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ (١) وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ) (٢) : ورد عليها صفة إلهيته ، فانشقت وأذنت لربّها ، وأطاعت ، وانقادت ، وحق لها ذلك ، وهو الذي أوجده.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ) (٦) : هذا خطاب فيه حثّ على ائتمار الأمر ، والقصد إلى بذل الروح ، فإذا بلغ إلى نهايته فملاقيه أنها وأعمال الثقلين لا تليق بعزته وجلاله.
قال أبو بكر بن طاهر : إنك معامل ربك معاملة ستعرض عليك في المشهد الأعلى ، فاجتهد ألا تخجل من معاملتك مع خالقك.
قوله تعالى : (وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً) (٩) : مسرورا بلقاء ربه ، وما نال من قربه ووصاله ، وهذا للمتوسّطين ، ومن بلغ إلى حقيقة الوصال وصار أهلا له لا ينقلب عنه إلى غيره.
قال ابن عطاء : مسرورا بما نال من رضا الحق.
قال عبد الواحد بن زيد : مسرورا بتحقيق ميعاد اللقاء.
وقال إبراهيم بن أدهم : مسرورا بدخول الجنة ، والنجاة من النار.
وقال أبو عثمان : مسرورا بإنزاله في منازل الأولياء والصدّيقين.
ويقال : بأن يلقى ربه ، ويكلمه قبل أن يدخل الجنة.
(بَلى إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً (١٥) فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (١٦) وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ (١٧) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (١٨) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ (١٩) فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٢٠) وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ (٢١) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (٢٢) وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ (٢٣) فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٢٤) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٢٥))
قوله تعالى : (بَلى إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً) (١٥) : كان في الأزل بصيرا فيما قدره ، وقضى عليه قبل إيجاده ، فعدمه عنده كوجوده ، ووجوده كعدمه ، لا يخفى عن بصره فيه شيء من أوله وآخره وظاهره وباطنه وشقاوته وسعادته وحياته ومماته ، حتى لا يختفي نفس من أنفاسه منه إلا هو سبحانه بصير به قبل الإيجاد ، وكيف لا يبصره وهو موجده.
قال الواسطي : كان بصيرا حين خلقه ، لماذا خلقه؟ ولأي شيء أوجده؟ وما قدر عليه