عن إدراكك كنه القدم ؛ حيث قلت : «لا أحصى ثناء عليك» (١).
قال ابن عطاء : بمكاشفات سرّك بنا ، واشتغالك بالدعوة نظر إلى الخلق.
وقال الجنيد : (وَالضُّحى) : هو مقام الأشهاد (وَاللَّيْلِ إِذا سَجى) : مقام العين الذي قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «إنه ليغان على قلبي» (٢).
قيل : ويوم أسرار العارفين ، وظلمة أفعال المخالفين.
قوله تعالى : (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى) (٣) : أقسم الله بهذا القسم أنّه تعالى ما ترك محمدا صلىاللهعليهوسلم في محل الإنسانية من مشاهدة الأزلية في الأزل ، (وَما قَلى) : حين اصطفاه بالقدم ، وكيف يدخل في اصطفائيته وسوابق محبته الأزلية خلل من جهة الأفعال ؛ إذ هو منزّه عن الصغائر.
قال ابن عطاء : ما حجبك عن قربه حين بعثك إلى خلقه.
وقال الواسطي : ما أهملك بعد أن اصطفاك.
قوله تعالى : (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى) (٤) : ما وجد العارف في الدنيا من كشف الجمال بالإضافة إلى يوم الوصال كقطرة في البحار أي : لك من الدنو عندي من المعاملات السنيّة ، والدرجات العلية ، لو انكشف لك ما نظرت إلى ما وجدت منا في الدنيا ، فإن أمر القرب والمشاهدة على مزيد في كل نفس شوق حبيبه إلى نفسه ، ورفع قدره عن الأكوان وأهلها ، وأخبره عما له من ذخائر المكاشفات ، وعجائب المشاهدات.
قال سهل : ما ادّخرت لك في الآخرة من المقام المحمود ومحل الشفاعة خير مما أعطيتك في الدنيا من النبوة والرسالة.
وقال بعضهم : ما لك عندي من مخزون الكرامات أجلّ مما يشاهده الخلق ؛ لأنك الشفيع المطاع ، والناطق بالإذن حين يؤذن لأحد بالكلام.
قوله تعالى : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) (٥) : هذه بشارة لأمته المرحومة ، فإنه لا يرضى حتى يدخل الله جميع أمته الجنة بلا حساب ولا عتاب ولا حجاب ، وكيف يرضى العاشق من معشوقه حتى يكون هو المعشوق يصير هو هو ، ولا يكون ذلك إلا بعد فناء نعوت الحدث في نعوت القدم.
قال ابن عطاء : كأنه يقول لنبيه صلىاللهعليهوسلم : أفترضى بالعطاء عوضا عن المعطي؟ فيقول : لا
__________________
(١) تقدم تخريجه.
(٢) تقدم تخريجه.