.................................................................................................
______________________________________________________
وحاصل الدفع : ان التلازم بين الحكم الشرعي والحكم العقلي في القضايا التي دليل الحكم فيها هو العقل انما هو في مقام تحقق الحكم وثبوته لا في مقام عدم الحكم.
وتوضيح ذلك : ان العقل في هذه القضايا اذا حكم بحكم الموضوع فلا بد وان يطابقه حكم الشرع ، لانه رئيس العقلاء وواهب العقل ، فاذا حكم العقل ـ مثلا ـ بحسن الصدق لانه من العدل وبقبح الكذب لانه من الظلم ، فلا بد وان يحكم الشرع على طبقه فيأمر بالصدق وينهى عن الكذب ، ولكنه لا يستلزم عدم حكم العقل به لشكه في حسنه عدم حكم الشرع ايضا.
والحاصل : ان العقل تارة : يحكم بقبح الكذب ـ مثلا ـ كالكذب الذي لم يتوقف عليه حفظ نفس او حفظ مال كثير. واخرى : يحكم بحسن الكذب فيما اذا توقف عليه حفظ النفس. وثالثة : يشك في حسنه وقبحه فيما اذا توقف عليه حفظ مال قليل.
فاتضح : ان انتفاء ما له دخل في ثبوت الحكم في القضايا العقلية : تارة يكون لانتفاء ما هو المقدم لثبوت الحكم للموضوع ، واخرى يكون لانتفاء ما له دخل في ثبوت الحكم ولكنه ليس بمقوم له ، لما عرفت من ان الموضوع التام لحكم العقل بقبح الكذب هو الكذب الذي لا يتوقف عليه حفظ النفس وحفظ المال الكثير ، فاذا توقف على الكذب حفظ النفس فيكون انتفاء عدم توقف حفظ النفس عليه لفرض كون الكذب مستلزما لاتلاف النفس من انتفاء المقوّم للموضوع ، ومتى توقف على الكذب حفظ المال القليل فان انتفاءه ما له دخل في ثبوت الحكم وليس من المقوّم للموضوع عند العقل ، ولذلك كان العقل شاكا في حكمه ، ففي مقام الشك عقلا في قبح الكذب لعروض انتفاء ما ليس بمقوّم لثبوت الحكم له فلا يحكم فيه بحكم لا يستلزم عدم حكم الشارع ايضا ، بل قد يحكم الشارع بحسنه فيأمر به اذا توقف عليه حفظ المال القليل ، وقد يحكم بقبحه وينهى عنه بحكم الاستصحاب باستصحاب ثبوت حرمته قبل عروض توقف حفظ المال القليل عليه.