.................................................................................................
______________________________________________________
واما النهي على النحو الثاني والثالث ، فلما كان النهي في الثاني متعلقا بمحض ترك الطبيعة المتوقف على ترك جميع افرادها ، وفي النحو الثالث لما كان السبب في النهي عن الفعل هو تعلق المصلحة بجميع التروك فكان المطلوب فيها في الحقيقة هو جميع التروك على نحو الكلّ المجموعي ، وفي كلا هذين النحوين النهي واحد والمتعلق واحد ، فانه في الثاني نهي واحد تعلق بنفس وجود الطبيعة ، وفي الثالث نهي واحد تعلق بمجموع وجودات افرادها ، والمفروض وصول هذا النهي الواحد المتعلق بمتعلق واحد ، وشغل الذمة اليقيني به يستدعي الفراغ اليقيني به ، فلذلك اذا كان النهي على النحو الثاني أو الثالث فلا مجال لجريان البراءة في الفرد المشكوك ، فيكون المدار في جريان البراءة وعدمها هو وحدة النهي ومتعلقه وتعدد النهي ومتعلقه ، فان تعدد النهي ولو تحليلا كان مجال لجريان البراءة ، لعدم وصول النهي في مقام تردده بين الفرد المشكوك حرمته وعدمها ، كالمائع المردد بين كونه خمرا او خلا ، وان لم يتعدد النهي لم يكن مجال لجريان البراءة لوصول النهي الواحد مع متعلقه ، وشغل الذمة اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني فلا بد من احراز الامتثال للنهي الواصل ، ولا يحصل الاحراز إلّا بترك جميع افراد الطبيعة ، اما بالقطع او بالاصل كما سنشير اليه.
والى هذا التفصيل اشار بقوله : ((الثالث انه لا يخفى ان النهي عن شيء اذا كان بمعنى طلب تركه في زمان او مكان بحيث لو وجد في ذاك الزمان او المكان ولو دفعة)) واحدة ((لما امتثل)) النهي ((اصلا)) وذلك في ما لو كان النهي عن مفسدة في محض وجود الطبيعة كالقتل او العمى ، او كان لمصلحة في جميع تروك افراد الطبيعة ، فانه لو كان عن مفسدة في وجود محض الطبيعة ووجدت الطبيعة بوجود فرد من افرادها لتحققت المفسدة وحصل العصيان ، وكذا فيما كان لمصلحة في جميع تروك افرادها ، فانه لو وجد فرد واحد منها لما تحققت المصلحة المترتبة على جميع التروك ، وعلى هذا فحيث وصل النهي الواحد المتعلق بشيء واحد ـ هو اما محض الطبيعة أو جميع افرادها على نحو الكل المجموعي ، فان الكل المجموعي واحد ايضا كمحض