يا داود ، إن أنين المذنبين أحبّ إلى من صراخ العابدين!
ويقال ، كان داود يقول. اللهم لا تغفر للخاطئين ، غيرة منه وصلابة في الدين ... فلما وقع له ما وقع كان يقول. اللهم اغفر للمذنبين ، فعسى أن تغفر لداود فيما بينهم.
ويقال لمّا تاب الله عليه ، واجتمع الإنس والجنّ والطير بمجلسه ، ورفع صوته ، وأداره فى حنكه على حسب ما كان من عادته تفرّقت الطيور وقالوا : الصوت صوت داود والحال ليست تلك! فأوحى الله إليه هذه وحشة الزّلة ، وتلك كانت أنس الطاعة .. فكان داود يبكى وينوح ويصيح والطير والجبال معه.
ويقال ليس كلّ من صاح وراءه معنى (١) ، فالمعنى كان مع داود لا مع الجبال والطير ...
(أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صالِحاً). ألان له الحديد ، وجعل ذلك معجزة له ، وجعل فيه توسعة رزقه ، ليجد في ذلك مكسبا ، ليقطع طمعه عن أمته في ارتفاقه بهم ليبارك لهم في اتّباعه (٢).
قوله جل ذكره : (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ)
أي آتينا سليمان الريح أي سخّر ناها له ، فكانت تحمل بساطة بالغدو مسيرة شهر ؛ وبالرواح مسيرة شهر.
وفي القصة أنه لا حظ يوما ملكه ، فمال الريح ببساطه ، فقال سليمان للريح : استو ،
فقالت الريح : استو أنت ، فما دمت مستويا بقلبك كنت مستويا بك ، فلما ملت ملت.
(وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ)
__________________
(١) هذه غمزة بمن يتظاهرون بالتواجد في مجالس السماع الصوفية ، إذ ينبغى الصدق ليتحول التواجد إلى وجد ثم إلى وجود.
(٢) هذا تنبيه لمن يتصدر منزلة الإمامة : ألا يرتفق ، وألا يطلب عوضا ، وألا يطمع في الذين يتبعونه.