سورة الفتح
قوله جل ذكره : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(بِسْمِ اللهِ) تشير إلى سموّه في أزله ، وعلوّه في أبده ؛ وسموّه في أزله نفى البداية عنه بحقّ القدم ، وعلوّه في أبده نفى الانتهاء عنه باستحالة العدم ؛ فمعرفة سموّه توجب للعبد سموّا ، ومعرفة علوّه توجب للعبد علوّا (١).
قوله جل ذكره : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (١))
قضينا لك قضاء بيّنا ، وحكمنا لك بتقوية دين الإسلام ، والنصرة على عدوّك ، وأكرمناك بفتح ما انغلق على قلب من هو غيرك ـ من قبلك ـ بتفصيل شرائع الإسلام ، وغير ذلك من فتوحات قلبه صلوات الله عليه.
نزلت الآية في فتح مكة ، ويقال في فتح الحديبية (٢).
ويقال : هديناك إلى شرائع الإسلام ، ويسّرنا لك أمور الدين.
(لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ)
__________________
(١) واضح أن مذهب القشيري في معرفة أسماء الله سبحانه لا يقتصر على المعرفة الكلامية النظرية بل يتجاوز ذلك إلى التأدب بها ، والتخلق بأخلاق الله .. فالعمل مترتب على العلم (انظر مقدمتنا لكتاب التحبير في التذكير).
(٢) يقال نزلت هذه السورة بين مكة والمدينة (رواية محمد بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن المسور ابن مخرمة ومروان بن الحكم) وأنها نزلت في شأن الحديبية. (كذلك في البخاري في سماع قتادة عن أنس). وقال الضحاك : «مبينا» أي بغير قتال. وقال مجاهد : كان فتح الحديبية آية عظيمة إذ نزح ماؤها فمج فيها فدرت بالماء حتى شرب جميع من كان معه. وقال الشعبي : هو فتح الحديبية ؛ فقد أصاب فيها ما لم يصب في غزوة : غفر الله له ذنبه ، وبويع بيعة الرضوان ، وأطعموا نخل خيبر ، وبلغ الهدى محله ، وظهرت الروم على الفرس.