«الإحفاء» الإلحاح في المسألة ... وهذا إنما يقوله لمن لم يوق شحّ نفسه ، فأمّا الإخوان ومن علت رتبتهم في باب حرية القلب فلا يسامحون في استيفاء ذرّة ، ويطالبون ببذل الرّوح ، والتزام الغرامات.
قوله جل ذكره : (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ)
البخل منع الواجب ، وإذا بخل فإنما يبخل عن نفسه لأنه لو لم يفعل ذلك لحصل له الثراء ـ هكذا يظن.
قوله جل ذكره : (وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ).
«غنى» بنفسه على قول ، وغنيّ بوصفه على القول الثاني (١). وغناه كونه لا تتقيد مراداته. أمّا العبد فهو فقير بنفسه ؛ لأنه لا يستغنى عن مولاه ؛ فى الابتداء منذ خلقه إلى الانتهاء ، وهو في دوام الأوقات مفتقر إلى مولاه.
والفقير الصادق من يشهد افتقاره إلى الله. وصدق الفقير في شهود فقره إلى الله. ومن افتقر إلى الله استغنى بالله ، ومن افتقر إلى غير الله وقع في الذّلّ والهوان.
ويقال : الله غنيّ عن طاعتكم ، وأنتم الفقراء إلى رحمته.
ويقال : الله غنيّ لا يحتاج إليكم ، وأنتم الفقراء لأنكم لا بديل لكم عنه.
قوله جل ذكره : (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ).
يستبدل قوما غيركم يكونون أشدّ منكم طاعة ، وأصدق منكم وفاء ؛ فهو قادر على خلق أمثالكم ثم لا يكونون أمثالكم في العصيان والإعراض وترك الشكر والوفاء ... بل سيكونون خيرا منكم.
__________________
(١) أي يمكن أن تكون من صفات الذات أو من صفات الفعل انظر «الغني» فى كتاب «التحبير في التذكير» للإمام القشيري تحقيق د. بسيونى.