سورة الحديد
قوله جل ذكره : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ).
سماع بسم الله الرّحمن الرّحيم شراب يسقى به الحقّ ـ سبحانه وتعالى ـ قلوب أحبّائه ، فإذا شربوا طربوا ، وإذا طربوا انبسطوا (١) ، ثم لشهود حقّه (٢) تعرّضوا ، وبنسيم قربه استأنسوا (٣) ، وعند الإحساس بهم غابوا .. فعقولهم تستغرق (٤) فى لطفه ، وقلوبهم تستهلك فى كشفه.
قوله جل ذكره : (سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١))
التسبيح التقديس والتنزيه ، ويكون بمعنى سباحة الأسرار في بحار الإجلال ، فيظفرون بجواهر التوحيد وينظمونها في عقود الإيمان ، ويرصّعونها في أطواق الوصلة :
وقوله (ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) المراد به «من» فى السماوات والأرض ، يسجدون لله طوعا وكرها ؛ طوعا تسبيح طاعة وعبادة ، وكرها تسبيح علامة ودلالة.
وتحمل (ما) على ظاهرها فيكون المعنى : ما من مخلوق من عين أو أثر إلا ويدلّ على الصانع ، وعلى إثبات جلاله ، وعلى استحقاقه لنعوت كبريائه.
__________________
(١) انبسطوا أي : ذاقوا حال البسط. ويصل العارف إلى القبض والبسط بعد حال الرجاء والخوف. والمبسوط قد يكون فيه بسط يسع الخلق فلا يستوحش من أكثر الأشياء ، ويكون مبسوطا لا يؤثر فيه شىء بحال من الأحوال (الرسالة ص ٣٥).
(٢) شهود حق الله لا يتم إلا بعد اختفاء حظوظ العبد.
(٣) من الأنس. سئل الجنيد عنه فقال : هو ارتفاع الحشمة مع وجود الهيبة. وسئل ذو النون عنه فقال : هو انبساط المحب إلى المحبوب.
وسئل الشبلي عنه فقال : هو حشتك منه (التعرف للكلاباذى ص ١٢٦ ، ١٢٧).
(٤) ضبطناها هكذا مبنية للمجهول لأن المفروض أن شمس الحقيقة يستغرق نورها نجوم العقل.