سورة اللّيل
قوله جل ذكره : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
بسم الله كلمة تخبر عن إلهية الله ؛ وهي استحقاقه لنعوت المجد والتوحّد ، وصفات العزّ والتفرّد ؛ فمن تجرّد في طلبه عن الكسل ، ولم يستوطن مركب العجز والفشل ، ووضع النظر موضعه وصل بدليل العقل إلى عرفانه ، ومن بذل روحه ونفسه وودّع في الطلب راحته وأنسه ، ولم يعرّج في أوطان الوقفة ظفر بحكم الوصل إلى شهود سلطانه ، والناس فيه بين موفّق ومخذول ، أو مؤيّد ومردود.
قوله جل ذكره : (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى (١))
يغشى الأفق ، وما بين السماء والأرض فيستره بظلمته.
والليل لأصحاب التحيّر يستغرق جميع أقطار أفكارهم فلا يهتدون الرشد.
(وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى)
أنار وظهر ، ووضح وأسفر.
ونهار أهل العرفان بضياء قلوبهم وأسرارهم ، حتى لا يخفى عليهم شىء ، فسكنوا بطلوع الشمس (١) عن تكلّف إيقاد السراج (٢)
(وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى)
أي : «من» خلق الذكر والأنثى ؛ وهو الله سبحانه :
(إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى)
هذا جواب القسم ، والمعنى : إنّ عملكم لمختلف ؛ فمنكم : من سعيه في طلب دنياه ، ومنكم من سعيه في شهوات نفسه واتباع هواه ، ومنكم من في طلب جاهه ومناه ، وآخر في طلب عقباه ،
__________________
(١) يقصد شمس التوحيد.
(٢) إذا طلعت شمس التوحيد لم تغن محاولات العقل ، لأن نورها يطغى على كل الأنوار.