قوله جل ذكره : (وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (٥١))
أي لو رأيت ذلك لرأيت منظرا فظيعا ، وأمرا عظيما ؛ إذا أخذهم بعد الإمهال فليس إلا الاستئصال.
(وَقالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ)
إذا تابوا ـ وقد أغلقت الأبواب ، وندموا ـ وقد تقطّعت الأسباب .. فليس إلا الحسرات والندم ، ولات حين ندامة!
كذلك من استهان بتفاصيل فترته ، ولم يستفق من غفلته يتجاوز عنه مرة ، ويعفى عنه كرّة ، فإذا استمكنت منه القسوة وتجاوز سوء الأدب حدّ الغفلة ، وزاد على مقدار الكثيرة (١) .. يحصل له من الحقّ ردّ ، ويستقبله حجاب ، وبعد ذلك لا يسمع له دعاء ، ولا يرحم له بكاء ، كما قيل :
فخلّ سبيل العين بعدك للبكا |
|
فليس لأيام الصفاء رجوع |
قوله جل ذكره : (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (٥٤))
التوبة يشتهونها في آخر الأمر وقد فات الوقت ، والخصم يريد إرضاءه فيستحيى أن يذكر فى ذلك الوقت ، وينسدّ لسانه ويعتقل ؛ فلا يمكنه أن يفصح بما في قلبه ، ويودّ أن لو كان بينه وبين ما أسلفه بعد بعيد ، ويتمنى أن يطيع فلا تساعده القوة ، ويتمنى أن يكون له ـ قبل خروجه من الدنيا ـ نفس .. ثم لا يتفق.
__________________
(١) فى رأى القشيري : الثلاثة ـ آخر حد القلة ، وأول حد الكثرة ـ.