كلّ صامت ناطق ؛ يصمت عن الكلام والقول وينطق بالبرهان في الحكم (١).
فمن استمع بسمع الفهم ، واستبصر بنور التوحيد فاز بذخر الدارين ، وتصدّى لعزّ المنزلين. ومن تصامم بحكم الغفلة وقع في وهدة الجهل ، ووسم بكيّ الهجر.
قوله جل ذكره : (وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (٩))
قابله بالعناد ، وتأوّله على ما يقع له من وجوه المراد من دون تصحيح بإسناد ... فهؤلاء (لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) : مذلّ.
وقد يكاشف العبد من بواطن القلب بتعريفات لا يتداخله فيها ريب ، ولا يتخالجه منها شكّ فيما هو به من حاله ... فإذا استهان بها وقع في ذلّ الحجبة وهوان الفرقة (٢).
قوله جل ذكره : (مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شَيْئاً وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠))
فعند هذه الفترة ، وفي وقت هذه المحنة فلا عذر يقبل منهم ، ولا خطاب يسمع عنهم ، ولهم عذاب متصل ، ولا يردّون إلى ما كانوا عليه من الكشف :
فخلّ سبيل العين بعدك للبكا |
|
فليس لأيام الصفاء رجوع |
قوله جل ذكره : (اللهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢))
عند ما يركبون البحر فلربما تسلم السفينة ولربما تغرق.
__________________
(١) يشير القشيري بذلك إلى أن كل شىء ناطق بالوحدانية ... إما نطق قالة ـ كما في حال الإنسان ، وإما نطق دلالة ـ كما في حال الجمادات.
(٢) يشير القشيري بذلك إلى العلوم الوهبية ، وضرورة اعتبارها رافدا هاما من روافد الإيمان الكشفى والتوحيد الشهودى.