لهم بساتين وأنهار ، والجمع إذا قوبل بالجمع فالآحاد تقابل بالآحاد.
فظاهر هذا الخطاب يقتضى أن يكون لكل واحد من المتقين جنة ونهر.
(فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ) : أي في مجلس صدق.
(عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) : أراد به عنديّة القربة والزلفة.
ويقال : مقعد الصدق أي مكان الصدق ، والصادق في عبادته من لا يتعبّد على ملاحظة الأطماع ومطالعة الأعواض.
ويقال : من طلب الأعواض هتكته الأطماع ، ومن صدق في العبوديّة تحرّر عن المقاصد الدّنيّة.
ويقال : من اشتغل بالدنيا حجبته الدنيا عن الآخرة ، ومن أسره نعيم الجنة حجب عن القيام بالحقيقة ، ومن قام بالحقيقة شغل عن الكون بجملته (١).
* * *
__________________
(١) أرباب الحقيقة لا تشغلهم فكرة الثواب والعقاب على النحو المألوف عند العابدين بنفوسهم. فجنّتهم الكبرى هي رؤيهم لمحبوبهم ، ولهم في ذلك أقوال كثيرة شعر أو نثرا .. من ذلك :
قول أبى على الروذبارى :
من لم يكن بك فانيا عن حبه |
|
وعن الهوى والأنس بالأحباب |
أو تيمة صبابة جمعت له |
|
ما كان مفترقا من الأسباب |
فكأنه بين المراتب واقف |
|
لمنال حظّ أو لحسن مآب |
ويقول الجنيد : كل محبة كانت لغرض إذا زال الغرض زالت تلك المحبة. ويقول يحيى بن معاذ :
إن ذا الحب لمن يفنى له |
|
لا لدار ذات لهو وطرف |
لا ولا الفردوس ـ لا يألفها ـ |
|
لا ولا الحوراء من فوق غرف |
ويقول أحدهم :
كلهم يعبدون من خوف نار |
|
ويرون الجنان حظّا جزيلا |
ليس لى في الجنان النار رأى |
|
أنا لا أبتغى بحبي بديلا |
(انظر كتابنا «نشأة التصوف الإسلامى» ط المعارف ص ١٩٥ ، ص ١٩٦).