وسكتت الألسنة عن المطالبة ب «لم؟» وخطور الاعتراض أو الاستقباح خروج عن حدّ العرفان. والشيوخ.
قالوا : من قال لأستاذه وشيخه (١) : «لم؟» لا يفلح. وكلّ مريد يكون لأمثال هذه الخواطر في قلبه جولان لا يجىء منه شىء. ومن لم يتجرّد قلبه من طلب التعليل ، ولم يباشر حسن الرضا بكلّ ما يجرى واستحسان ما يبدو من الغيب لسرّه وقلبه ـ فليس من الله فى شىء.
قوله جل ذكره : (وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٦))
يريد بذلك أموال بنى النضير (٢) ، فقد كانت من جملة الفيء لا من الغنيمة ؛ فالفىء ما صار إلى المسلمين من أموال الكفّار من غير قتال ولا إيجاف خيل وركاب ، وتدخل في جملته أموالهم إذا ماتوا وصارت إلى بيت المال. والغنيمة ما كانت بقتال وإيجاف خيل وركاب. وقد خصّ رسول الله (ص) بأموال هؤلاء فقراء المهاجرين ، واستأثر لنفسه بما شاء ، فطابت نفوس الأنصار بذلك ، وشكر الله لهم. ذلك لأن تحرّر القلب من الأعواض والأملاك صفة السادة (٣) والأكابر. ومن أسرته الأخطار وبقي في شحّ نفسه فهو في تضييقه وتدنيقه ، وهو فى مصادقته ومعاملته ومطالبته مع الناس دائما يبحث في استيفاء حظوظه ـ وهذا ليس له من مذاقات هذه الطريقة (٤) شىء.
__________________
(١) لاحظ كيف يوجّه القشيري إشارته إلى المريدين ، وما ينبغى أن تكون عليه علاقتهم بشيوخهم.
(٢) عن الزهري عن مالك بن أوس عن عمر رضى الله عنه قال : كانت أموال بنى النضير مما أفاء الله على رسوله (ص) مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب ، فكانت لرسول الله (ص) خاصة ينفق على أهله منها نفقة سنته ثم يجعل ما بقي في السلاح والكراع عدة في سبيل الله (البخاري ح ٣ ص ١٣٣).
(٣) هكذا في ص وهي في م (السعادة) وهي خطأ من الناسخ.
(٤) يقصد طريقة الصوفية.