ولمّا أخذته أمّه علمت بتصديق الله ظنها ، وسكن عن الانزعاج قلبها ، وجرى من قصة فرعون ما جرى.
قوله جل ذكره : (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٤))
لمّا كملت سنّة وتمّ عقله ، واستوى كمال خصاله (آتَيْناهُ حُكْماً) : أي أتممنا له التحصيل ، ووفّرنا له العلم ، وبذلك جرت سنّتنا مع الأكابر والأنبياء.
قوله جل ذكره : (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ ...) الآية.
قيل : دخل المدينة في وقت الهاجرة ، وتفرّق الناس ، فوجد فيها رجلين يتخاصمان : أحدهما إسرائيليّ من شيعة موسى وعلى دينه ، والآخر قبطيّ مخالف لهما ، فاستغاث الإسرائيليّ بموسى على القبطي ، فوكزه موسى ليدفعه عن الإسرائيلى ، فمات الرجل بذلك الوكز ، ولم يكن موسى يقصد قتله ، فقال موسى : ـ
(هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ).
فقد تمنّى موسى أن لو دفعه عنه بأيسر مما دفعه ، ولم ينسب القتل إلى الشيطان (١) ، ولكنّ دفعه عنه بالغلظة نسبه إلى الشيطان بأن حمله على تلك الحدّة.
وهكذا .. إذا أراد الله أمرا أجرى أسبابا ليحصل بها مراده ، ولو لا أنه أراد فتنة موسى لما قبض روح الرجل بمثل تلك الوكزة ، فقد يضرب الرجل الكثير من الضّرب والسياط ثم لا يموت ؛ فموت القبطي بوكزة اجراء لما قضاه وأراده.
__________________
(١) يتصل ذلك برأى القشيري : أن الشيطان ليس بيده شىء ؛ لأنه لو كان بيده شىء لأمسك على الهداية نفسه ، وكل عمل الشيطان أنه يوسوس في صدور الناس.