قلنا له : اذهب إلى فرعون إنه طغى ، فقل له : هل يقع لك أن تؤمن وتتطهر من ذنوبك.
وفي التفسير : لو قلت لا إله إلا الله فلك ملك لا يزول ، وشبابك لا يهرم ، وتعيش أربعمائة سنة في السرور والنعمة .. ثم لك الجنة في الآخرة.
(وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى)
أقرّر لك بالآيات صحّة ما أقول ، وأعرفك صحة الدين .. فهل لك ذلك؟ فلم يقبل.
ويقال : أظهر له كل هذا التلطّف ولكنه في خفيّ سرّه وواجب مكره به أنه صرف قلبه عن إرادة هذه الأشياء ، وإيثار مراده على مراد ربّه ، وألقى في قلبه الامتناع ، وترك قبول النّصح .. وأيّ قلب يسمع هذا الخطاب فلا ينقطع لعذوبة هذا اللفظ؟ وأيّ كبد تعرف هذا فلا تتشقّق لصعوبة هذا المكر؟
قوله جل ذكره : (فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى (٢٠))
جاء في التفسير : هى إخراج يده بيضاء لها شعاع كشعاع الشمس. فقال فرعون : حتى أشاور هامان (١) ، فشاوره ، فقال له هامان : أبعد ما كنت ربّا تكون مربوبا؟! وبعد ما كنت ملكا تكون مملوكا؟
فكذّب فرعون عند ذلك ، وعصى ، وجمع السّحرة ، ونادى :
(فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى)
ويقال : إنّ إبليس لمّا سمع هذا الخطاب فرّ وقال : لا أطيق هذا!
ويقال قال : أنا ادّعيت الخيرية على آدم فلقيت ما لقيت .. وهذا يقول : أنا ربّكم الأعلى.
قوله جل ذكره : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى (٢٦))
__________________
(١) يقصد القشيري من بعيد إلى شيئين : أو لهما أن فساد الملوك قد يكون بسبب وزرائهم وحاشيتهم .. ولعلنا نذكر ما قلناه في المدخل عن أن أشد المحنة التي ألمت بالقشيري كانت بسبب الكندري وزير السلطان طغرل.
وثانيهما أن الصحبة السيئة قد تؤدى إلى هلاك الصاحب والمصحوب ، وفي هذا تحذير لأرباب الطريق (راجع باب الصحبة في الرسالة ص ١٤٥).