٤٠٥ ـ قوله تعالى : (وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ) ثم قال : (أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما) ـ ٧٣ ـ «أن» مفعول ب (تُؤْمِنُوا) ، وتقدير الكلام : ولا تؤمنوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلّا من تبع دينكم ، فاللام على هذا زائدة ، و «من» في موضع نصب استثناء ليس من الأول. وقيل التقدير : ولا تصدّقوا إلا من تبع دينكم بأن يؤتى أحد. وقال الفرّاء (١) : انقطع (٢) الكلام عند قوله : (دِينَكُمْ) ، ثم قال لمحمد عليهالسلام : قل إنّ الهدى هدى الله أن لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ، ف «لا» مقدّرة. ويجوز أن تكون اللام غير زائدة وتتعلّق بما دل عليه الكلام ؛ لأن معنى الكلام : لا تقرّوا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلّا لمن تبع دينكم ، فيتعلق الحرفان (٣) ب «تقروا» ، كما تقول : أقررت لزيد بألف. وجاز ذلك لأنّ الأول كالظرف ، فصار بمنزلة قولك : مررت في السوق بزيد. وإنما دخلت (أَحَدٌ) لتقدم لفظ النفي في قوله : (وَلا تُؤْمِنُوا) فهو نهي ، ولفظه لفظ النفي. فأما من مدّه واستفهم ـ وهي قراءة ابن كثير ـ (٤) فإنه أتى به على معنى الإنكار من اليهود أن يؤتى أحد مثل ما أوتوا ، حكاية عنهم ، فيجوز أن تكون [«إِنَّ»] في موضع رفع بالابتداء ، إذ لا يعمل في (إِنَّ) ما قبلها ؛ لأجل الاستفهام ، وخبر الابتداء محذوف تقديره : أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم تصدقون أو تقرون ونحوه. وحسن الابتداء ب (إِنَّ) ؛ لأنّها قد اعتمدت على حرف الاستفهام ، فهو في التمثيل بمنزلة : أزيد ضربته؟ ويجوز أن تكون (إِنَّ) في موضع نصب ، وهو الاختيار ، كما كان في قولك : أزيدا ضربته ، النصب الاختيار ؛ لأنّ الاستفهام عن الفعل ، فتضمر فعلا بين الألف وبين (إِنَّ) ، تقديره : أتذيعون أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ، وأ تشيعون ، وأ تذكرون ، ونحو هذا ممّا يدل عليه الإنكار الذي قصدوا إليه
__________________
(١) معاني القرآن ١ / ٢٢٢ ، ٢٢٣.
(٢) لفظ «انقطع» مكرر في الأصل.
(٣) أي : الباء واللام.
(٤) التيسير ص ٨٩ ، والنشر ٢ / ٢٣٢ ، والإتحاف ، ص ١٧٦.