التشبيه فصار الكلام بمعنى «كم». وثبتت في المصاحف بعد الياء نون ؛ لأنها كلمة نقلت عن أصلها ، فالوقف عليها بالنون اتباعا للمصحف. وعن أبي عمرو أنه وقف بغير نون على الأصل ؛ لأنه تنوين. فأما من أخّر الهمزة وجعله مثل فاعل : كائن ـ وهو ابن كثير ـ (١) فقيل : إنه فاعل من «الكون» ، وذلك بعيد لإتيان (مِنْ) بعده ولبنائه على السكون. وقيل : هي كاف التشبيه ، دخلت على «أي» ، وكثر استعمالهم لها بمعنى «كم» فصارت كلمة واحدة ، فقلبت الياء قبل الهمزة فصارت «كيّئن» فخففوا المشدّد كما خففوا «ميتا ، وهينا» فصارت : «كيئن» ، مثل : «فيعل» فأبدلوا من الياء الساكنة ألفا ، كما أبدلوا في «آية» ، وأصلها «أية» ؛ فصارت (كَأَيِّنْ) ، وأصل النون التنوين ، فالقياس حذفه في الوقف ، ولكن من وقف بالنون اعتلّ بأنّ الكلمة تغيّرت وقلبت ، فصار التنوين حرفا من الأصل. وقال بعض البصريين : الأصل في هذه القراءة : «كأيّ» ثم قدمت إحدى الياءين في موضع الهمزة فتحركت بالفتح ، كما كانت الهمزة ، وصارت الهمزة ساكنة في موضع الياء المقدمة ، فلما تحركت الياء وانفتح ما قبلها قلبت ألفا ؛ والألف ساكنة ، وبعدها همزة ساكنة ؛ فكسرت الهمزة لالتقاء الساكنين ، وبقيت إحدى الياءين متطرفة فأذهبها التنوين بعد زوال حركتها استثقالا ، كما نحذف ياء «قاض» و «غاز» فصار «وكاء» (٢) مثل جاء ؛ فاعل من جاء ، فهو جاء (٣) ؛ وحكي هذا القول عن الخليل (٤).
__________________
(١) وقرأ بقراءة ابن كثير أبو جعفر ، بينما قرأ الباقون بهمزة مفتوحة بعد الكاف ، وبعدها ياء مكسورة مشددة ، وقد وقف جميعهم على النون (كأين) ، عدا أبي عمرو ويعقوب فقد وقفا بالياء (كأي). التيسير ص ٦٩ ؛ والنشر ٢ / ٢٣٤ ؛ والإتحاف ص ١٨٠.
(٢) في الأصل : «وكائن» وأثبت ما في (ح ، ق).
(٣) قوله «فهو جاء» مثبت في هامش الأصل.
(٤) انظر الكتاب ٢ / ٣٧٨ ؛ والكشف ١ / ٣٥٧ ؛ والبيان ١ / ٢٢٤ ؛ العكبري ١ / ٨٨ ؛ وتفسير القرطبي ٤ / ٢٢٨.