للشقاء ، فالمعنى : إمّا أن يخلقه سعيدا ، وإما أن يخلقه شقيّا ، وهذا من أبين ما يدلّ على أنّ اللّه تعالى قدّر الأشياء كلّها ، وخلق قوما للسعادة وبعملها يعملون ، وقوما للشقاوة وبعملها يعملون. فالتخيير هو إعلام من اللّه تعالى لنا أنّه يختار ما يشاء ، [ويفعل ما يشاء] ؛ يجعل من[يشاء] شاكرا ، ومن يشاء كافرا ، وليس التخيير للإنسان.
وقيل : هي حال مقدرة ، والتقدير : إما أن يحدث منه عند فهمه الشكر ، فهو علامة السعادة ، وإمّا أن يحدث منه الكفر ، فهي علامة الشقاوة ، وذلك كلّه على ما سبق في علم اللّه تعالى فيهم.
وأجاز الكوفيون أن تكون «ما» زائدة ، و «إن» للشرط ، ولا يجوز هذا عند البصريين ؛ لأنّ «إن» التي للشرط لا تدخل على الأسماء ؛ إذ لا يجازى بالأسماء ، إلاّ أن تضمر بعد «إن» فعلا ، فيجوز ، نحو قوله : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (١) ، فأضمر «استجارك» بعد «إن» ، ودلّ عليه «استجارك» الثاني ، فحسن حذفه. ولا يمكن إضمار فعل بعد «إن» هاهنا ، لأنّه يلزم رفع «شاكر وكفور» بذلك الفعل ، وأيضا فإنه لا دليل على الفعل المضمر في الكلام (٢).
وقيل : في الآية تقديم وتأخير ، والتقدير : إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه ، إمّا شاكرا وإمّا كفورا ، فجعلناه سميعا بصيرا ، فيكونان حالين من الإنسان على هذا ، وهو قول حسن ، لا تخيير للإنسان في نفسه.
__________________
(١) سورة التوبة : الآية ٦ ، وانظر : فقرة(١٠٤٤).
(٢) في مغني اللبيب ٦٠/١ : قال مكي : ولا يجيز البصريون أن يلي الاسم أداة الشرط حتى يكون بعده فعل يفسره ، نحو (وَإِنِ امْرَأَةٌ خٰافَتْ) [النساء : ١٢٨] ، وردّ عليه ابن الشجري بأن المضمر هنا(كان) ؛ فهو بمنزلة قوله :
قد قيل ذلك إن حقّا وإن كذبا فما اعتذارك من قول إذا قيلا وانظر أمالي ابن الشجري ج ٢ ص ٣٤٦ ـ ٣٤٧(طبعة حيدرآباد) ، والشاهد هو للنعمان بن المنذر ، وانظره في الخزانة ٧٨/٢ ؛ وابن عقيل ١٢٣/١ ؛ والسيوطي ص ٦٨.