وشرعا في القراءة ، وأخذا الكتاب عنه وأظهراه للناس. وكان الأخفش يقول : ما وضع سيبويه في كتابه شيئا إلا وعرضه علي ، وكان يرى أنه أعلم به مني وأنا اليوم أعلم به منه. وحكى ثعلب أن الفراء دخل على سعيد بن سالم ، فقال الفراء : قد جاءكم سيد أهل اللغة وسيد أهل العربية ، فقال : أما ما دام الأخفش يعيش فلا. وحكى الأخفش قال : لما ناظر سيبويه الكسائي ورجع وجه إلي فعرفني خبره معه ومضى إلى الأهواز ، فوردت بغداد فرأيت مسجد الكسائي فصليت خلفه الغداة ، فلما انفتل من صلاته ، وقعد بين يديه الفراء والأحمر وابن سعدان ، سلمت وسألته عن مائة مسألة فأجاب بجوابات خطأته في جميعها ، فأراد أصحابه الوثوب علي فمنعهم ولم يقطعني ما رأيتهم عليه عما كنت فيه ، فلما فرغت قال لي : بالله أما أنت أبو الحسن سعيد بن مسعدة؟ قلت : نعم ، فقام إلي وعانقني وأجلسني إلى جنبه ، ثم قال : لي أولاد أحب أن يتأدبوا بك ، ويتخرجوا عليك ، وتكون معي غير مفارق لي ، فأجبته إلى ذلك ، فلما اتصلت الأيام بالاجتماع سألني أن أؤلف كتابا في معاني القرآن ، فألفته ، فجعله إمامه وعمل عليه كتابا في المعاني. وقرأ عليّ كتاب سيبويه سرا ووهب لي سبعين دينارا. وكان أبو العباس ثعلب يفضل الأخفش ويقول : هو أوسع الناس علما.
وقال المبرد : أحفظ من أخذ عن سيبويه الأخفش ثم الناشي ثم قطرب ، وكان الأخفش أعلم الناس بالكلام وأحذقهم بالجدل. توفي سنة خمس عشرة ومائتين ، وقيل سنة إحدى وعشرين. وله من التصانيف : كتاب الأربعة ، كتاب الاشتقاق ، كتاب الأصوات ، كتاب الأوسط في النحو ، كتاب تفسير معاني القرآن ، كتاب صفات الغنم وألوانها وعلاجها وأسبابها ، كتاب العروض ، كتاب القوافي ، كتاب المسائل الكبير ، كتاب المسائل الصغير ، كتاب معاني الشعر ، كتاب المقاييس ، كتاب الملوك ، كتاب وقف التمام.
وترجم له في كتاب إنباه الرواة بترجمة أسقطنا منها ما أورده ياقوت قال : هو أبو الحسين يعرف بالأخفش الأوسط أخذ النحو عن سيبويه وكان أكبر منه ، وصحب الخليل أولا ، وكان معلما لولد الكسائي وسبب ذلك أنه لما جرى بين الكسائي وسيبويه ما جرى من المناظرة رحل سيبويه إلى الأهواز ، قال الأخفش : فتزودت والتقيت بالكسائي في سمارية. وأورد بقية ما قاله ياقوت. قال أبو حاتم سهل بن محمد السجستاني رحمهالله : أخذ الأخفش كتاب أبي عبيدة في القرآن