وأما قوله (ابتغاء مرضات الله) [الآية ٢٠٧] فإن انتصابه على الفعل وهو على «يشري» كأنه قال «لابتغاء مرضاة الله» فلما نزع اللام عمل الفعل. ومثله (حذر الموت) [البقرة : الآية ١٩] وأشباه هذا كثير. قال الشاعر : [الطويل]
١٤٠ ـ وأغفر عوراء الكريم ادّخاره |
|
وأعرض عن شتم اللئيم تكرّما (١) |
لما حذف اللام عمل فيه الفعل.
وقال (ادخلوا فى السّلم كآفّة) [الآية ٢٠٨] و «السّلم» : الإسلام. وقوله (وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون) [محمد : ٣٥] ذلك : الصلح. وقد قال بعضهم في «الصلح» : «السّلم». وقال (ويلقوا إليكم السّلم) [النّساء : الآية ٩١] وهو الاستسلام. وقال (وإذا خاطبهم الجهلون قالوا سلما) [الفرقان : الآية ٦٣] أي : «قالوا براءة منكم» لأنّ «السّلام» في بعض الكلام هو : البراءة. تقول : «إنّما فلان سلام بسلام» أي : لا يخالط أحدا. قال الشاعر : [الوافر]
١٤١ ـ سلامك ربّنا في كلّ فجر |
|
بريئا ما تغنّثك الذّموم (٢) |
يعني تأوّبك ، يقول : «براءتك». وقال (إذ دخلوا عليه فقالوا سلما قال سلم) [الذّاريات : الآية ٢٥] وهذا فيما يزعم المفسرون : قالوا خيرا. كأنه ـ والله أعلم ـ سمع منهم التوحيد فقد قالوا خيرا ، فلما عرف أنهم موحدون قال : «سلام عليكم» فسلم عليهم. فهذا الوجه رفع على الابتداء. وقال بعضهم : «ما كان من كلام الملائكة فهو نصب وما كان من الإنسان فهو رفع في السلام». وهذا ضعيف ليس بحجة. وقال (فاصفح عنهم وقل سلم) [الزّخرف : الآية ٨٩] فهذا يجوز على معنى : «سلام عليكم» في التسليم. أو يكون على البراءة إلا أنه جعله خبر المبتدأ كأنه قال «أمري سلام» أي : أمري براءة منكم ، وأضمر الاسم كما يضمر الخبر. وقال الشاعر : [الطويل]
__________________
(١) البيت لحاتم الطائي في ديوانه ص ٢٢٤ ، وخزانة الأدب ٣ / ١٢٢ ، ١٢٣ ، ١٢٤ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٤٥ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٥٢ ، وشرح المفصّل ٢ / ٥٤ ، والكتاب ١ / ٣٦٨ ، ولسان العرب (عور) ، واللمع ص ١٤١ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٧٥ ، ونوادر أبي زيد ص ١١٠ ، وبلا نسبة في أسرار العربية ص ١٨٧ ، وخزانة الأدب ٣ / ١١٥ ، وشرح ابن عقيل ص ٢٩٦ ، والكتاب ٣ / ١٢٦ ، ولسان العرب (خصص) ، والمقتضب ٢ / ٣٤٨.
(٢) البيت لأمية بن أبي الصلب في ديوانه ص ٥٤ ، وإنباه الرواة ٢ / ٤٠ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٣٠٥ ، والكتاب ١ / ٣٢٥ ، ولسان العرب (غنث) ، (ذمم) ، (سلم) ، ومراتب النحويين ص ١١٢ ، والمقاصد النحوية ٣ / ١٨٣ ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٤٢٨ ، وخزانة الأدب ٧ / ٢٣٥.