سمي المؤنث بالمذكر لم ينصرف ، فجعل (ص) [ص : الآية ١] وما أشبهها اسما للسورة ولم يصرف ، وجعله في موضع نصب.
وقال بعضهم : «صاد والقرآن» فجعلها من «صاديت» ثم أمر كما تقول «رام» كأنه قال : «صاد الحقّ بعملك» أي : تعمده ، ثم قال (والقرءان) فأقسم ، ثم قال (بل الّذين كفروا فى عزّة وشقاق) (٢) [ص : الآية ٢]. فعلى هذا وقع القسم. وذلك أنهم زعموا أن «بل» هاهنا إنما هي «إنّ» فلذلك صار القسم عليها.
وقد اختلف الناس في الحروف التي في فواتح السور ، فقال بعضهم : «إنما هي حروف يستفتح بها». فإن قيل «هل يكون شيء من القرآن ليس له معنى»؟ فإن معنى هذه أنه ابتدأ بها ليعلم أن السورة التي قبلها قد انقضت ، وأنه قد أخذ في أخرى. فجعل هذا علامة لانقطاع ما بينهما ، وذلك موجود في كلام العرب ، ينشد الرجل منهم الشعر فيقول : [الرجز]
٥ ـ بل. وبلدة ما الانس من أهّالها (١)
أو يقول : [الرجز]
٦ ـ بل. ما هاج أحزانا وشجوا قد شجا (٢)
ف «بل» ليست من البيت ولا تعد في وزنه ، ولكن يقطع بها كلام ويستأنف آخر. وقال قوم : إنها حروف إذا وصلت كانت هجاء لشيء يعرف معناه ، وقد أوتي بعض الناس علم ذلك. وذلك أن بعضهم كان يقول : «ألر» و «حم» و «ن» هذا هو اسم «الرحمن» جل وعزّ ، وما بقي منها فنحو هذا.
__________________
(١) يروى الرجز بلفظ :
وبلدة ما الإنس من آهالها
والرجز بلا نسبة في لسان العرب (أهل) ، (بلل) ، (بلا) ، وتاج العروس (أهل).
(٢) يليه :
من طلل كالأتحميّ أنهجا
والرجز للعجاج في ديوانه ٢ / ١٣ ، وتخليص الشواهد ص ٤٧ ، والخصائص ١ / ١٧١ ، وسرّ صناعة الإعراب ٢ / ٥١٤ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٥١ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٩٣ ، وشرح المفصل ١ / ٦٤ ، والكتاب ٤ / ٢٠٧ ، والمقاصد النحوية ١ / ٢٦ ، وتاج العروس (بلل) ، ولرؤبة في معاهد التنصيص ١ / ١٤ ، وليس في ديوانه ، وبلا نسبة في رصف المباني ص ٣٥٤ ، ولسان العرب (بيع) ، وكتاب العين ٣ / ٣٩٣.