كفروا كمثل الّذى ينعق) [الآية ١٧١] فإنما هو ـ والله أعلم ـ «مثلكم ومثل الذين كفروا كمثل الناعق والمنعوق به». فحذف هذا الكلام ، ودل ما بقي على معناه. ومثل هذا في القرآن كثير. وقد قال بعضهم (ومثل الّذين كفروا كمثل الّذى ينعق) [الآية ١٧١] يقول : «مثلهم في دعائهم الآلهة كمثل الذي ينعق بالغنم» لأن ـ آلهتهم لا تسمع ولا تعقل ، كما لا تسمع الغنم ولا تعقل.
وقوله (كمثل الّذى استوقد نارا) [الآية ١٧] فهو في معنى «أوقد» ، مثل قوله : «فلم يستجبه» أي «فلم يجبه» وقال الشاعر : [الطويل]
٢٧ ـ وداع دعا يا من يجيب إلى الندى |
|
فلم يستجبه عند ذاك مجيب (١) |
أي : «فلم يجبه».
وقال (وتركهم فى ظلمت لّا يبصرون) [الآية ١٧] فجعل «الذي» جميعا فقال «وتركهم» لأن «الذي» في معنى الجميع ، كما يكون «الإنسان» في معنى «الناس».
وقال (وتركهم فى ظلمت لّا يبصرون (١٧) صمّ بكم عمى فهم لا يرجعون) (١٨) [الآيتان ١٧ ـ ١٨] فرفع على قوله : «هم صمّ بكمّ عمي» رفعه على الابتداء ولو كان على أول الكلام كان النصب فيه حسنا.
وأما (حوله) [الآية ١٧] فانتصب على الظرف ، وذلك أن الظرف منصوب. والظرف هو ما يكون فيه الشيء ، كما قال الشاعر : [الكامل]
٢٨ ـ هذا النهار بدا لها من همّها |
|
ما بالها بالليل زال زوالها (٢) |
نصب «النهار» على الظرف وإن شاء رفعه وأضمر فيه. وأما «زوالها» فإنه كأنه قال : «أزال الله الليل زوالها».
وأما (يكاد البرق يخطف أبصرهم) [الآية ٢٠] فمنهم من قرأ «يخطف» من «خطف» وهي قليلة رديئة لا تكاد تعرف. وقد رواها يونس «يخطّف» بكسر الخاء لاجتماع الساكنين. ومنهم من قرأ «يخطف» على «خطف يخطف» وهي الجيدة ،
__________________
(١) البيت لكعب بن سعد الغنوي في الأصمعيات ص ٩٦ ، ولسان العرب (جوب) ، والتنبيه والإيضاح ١ / ٥٥ ، وجمهرة أشعار العرب ص ٧٠٥ ، وتاج العروس (جوب) ، وبلا نسبة في تهذيب اللغة ١١ / ٢١٩.
(٢) البيت للأعشى في ديوانه ص ٧٧. وتهذيب اللغة ١٣ / ٢٥٤ ، والمخصص ١٢ / ١٨٩ ، وتاج العروس (زول) ، وبلا نسبة في كتاب العين ٧ / ٣٨٤.