عمران : الآية ١٤٢] فانتصب الآخر لأن الأوّل نوى أن يكون بمنزلة الاسم وفي الثاني الواو. وإن شئت جزمت على العطف كأنك قلت «ولمّا يعلم الصابرين». فإن قال قائل : «ولما يعلم الله الصابرين» (ولما يعلم الله الّذين جهدوا منكم) [آل عمران : الآية ١٤٢] فهو لم يعلمهم؟ قلت بل قد علم ، ولكنّ هذا فيما يذكر أهل التأويل ليبين للناس ، كأنه قال «ليعلمه الناس» كما قال (لنعلم أىّ الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا) [الكهف : الآية ١٢] وهو قد علم ولكن ليبين ذلك. وقد قرأ أقوام أشباه هذا في القرآن (ليعلم أي الحزبين) ولا أراهم قرأوه إلّا لجهلهم بالوجه الآخر.
ومما جاء بالواو (ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق) إن شئت جعلت (وتكتموا الحقّ) [الآية ٤٢] نصبا إذا نويت أن تجعل الأول اسما فتضمر مع (تكتموا) «أن» حتى تكون اسما. وإن شئت عطفتها فجعلتها جزما على الفعل الذي قبلها. قال (ألم أنهكما عن تلكما الشّجرة وأقل لّكما) [الأعراف : الآية ٢٢] فعطف القول على الفعل المجزوم فجزمه. وزعموا أنه في قراءة ابن مسعود (١) «وأقول لكما» على ضمير «أن» ونوى أن يجعل الأوّل اسما ، وقال الشاعر : [الطويل]
٣٨ ـ لقد كان في حول ثواء ثويته |
|
تقضّي لبانات ويسأم سائم (٢) |
ثواء وثواء أو ثواء رفع ونصب وخفض ـ فنصب على ضمير «أن» لأن التقضي اسم ، ومن قال «فتقضى» رفع : «ويسأم» لأنه قد عطف على فعل وهذا واجب ، وقال الشاعر : [الطويل]
٣٩ ـ فإن لم أصدّق ظنّكم بتيقّن |
|
فلا سقت الأوصال منّي الرّواعد (٣) |
ويعلم أكفائي من الناس أنّني |
|
أنا الفارس الحامي الذمار المذاود |
وقال الشاعر : [الوافر وهو الشاهد الأربعون]
٤٠ ـ فإن يقدر عليك أبو قبيس |
|
نمطّ بك المنيّة في هوان (٤) |
__________________
(١) ابن مسعود : هو عبد الله بن مسعود ، تقدمت ترجمته.
(٢) البيت للأعشى في ديوانه ص ١٢٧ ، والأغاني ٢ / ٢٠٦ ، والرد على النحاة ص ١٢٩ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٨٧٩ ، والكتاب ٣ / ٣٨ ، ومغني اللبيب ٢ / ٥٠٦ ، والمقتضب ١ / ٢٧ ، ٢ / ٢٦ ، ٤ / ٢٩٧ ، وبلا نسبة في أسرار العربية ص ٢٩٩ ، ورصف المباني ص ٤٢٣ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٥٩٠ ، وشرح المفصّل ٣ / ٦٥.
(٣) البيتان لحسان بن ثابت في ديوانه ص ١٩٥.
(٤) البيتان للنابغة الذبياني في ديوانه ص ١١٣ ، ولسان العرب (قبس) ، وتاج العروس (قبس) ، والمخصص ١٣ / ١٧٥ ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٤٨٥ ، وتاج العروس (نجع).