٤٣ ـ لها هضبة لا يدخل الذلّ وسطها |
|
ويأوي إليها المستجير فيعصما (١) |
واعلم أن إظهار ضمير «أن» في كل موضع أضمر فيه من الفاء لا يجوز. ألا ترى أنك إذا قلت : «لا تأته فيضربك» لم يجز أن تقول : «لا تأته فأن يضربك» وإنما نصبته على «أن» فلا يحسن إظهاره كما لا يجوز في قولك «عسى أن تفعل» : «عسى الفعل» ولا في قولك : «ما كان ليفعل» : «ما كان لأن يفعل» ولا إظهار الاسم الذي في قولك «نعم رجلا» فرب ضمير لا يظهر لأن الكلام إنما وضع على أن يضمر ، فإذا ظهر كان ذلك على غير ما وضع في اللفظ فيدخله اللبس.
وأما قوله (فأزلّهما الشّيطن عنها) [الآية ٣٦] فإنما يعني «الزلل». تقول : «زلّ فلان» و «أزللته» و «زال فلان» و «أزاله فلان» والتضعيف القراءة الجيدة وبها نقرأ.
وقال بعضهم : (فأزالهما) أخذها من «زال ، يزول». تقول : «زال الرجل» و «أزاله فلان».
وقال (اهبطوا بعضكم لبعض عدوّ) [الآية ٣٦] فإنما قال (اهبطوا) [الآية ٣٦] والله أعلم لأنّ إبليس كان ثالثهم فلذلك جمع.
قال (فتلقّىءادم من رّبّه كلمت) [الآية ٣٧] فجعل آدم المتلقي. وقد قرأ بعضهم «آدم» نصبا ورفع الكلمات جعلهن المتلقّيات.
وقال (فإمّا يأتينّكم مّنّى هدى فمن تبع هداى) [الآية ٣٨] وذلك أن «إمّا» في موضع المجازاة وهي «إما» لا تكون «أما» وهي «إن» زيدت معها «ما» وصار الفعل الذي بعدها بالنون الخفيفة أو الثقيلة ، وقد يكون بغير نون. وإنّما حسنت فيه النون لما دخلته «ما» لأنّ «ما» نفي وهو ما ليس بواجب وهي من الحروف التي تنفي الواجب فحسنت فيه النون نحو قولهم «بعين مّا أرينّك» (٢) حين أدخلت فيها «ما»
__________________
ـ المعلقة المشهورة باسمه. وله ديوان شعر يستشهد به أصحاب اللغة. توفي نحو سنة ٦٠ قبل الهجرة (معجم الشعراء الجاهليين ص ١٩٥ ـ ١٩٦).
(١) البيت لطرفة بن العبد في ملحق ديوانه ص ١٥٩ ، والرد على النحاة ص ١٢٦ ، والكتاب ٣ / ٤٠ ، وللأعشى في خزانة الأدب ٨ / ٣٣٩ ، والخصائص ١ / ٣٨٩ ، ولسان العرب (دلك). وفيه «فيعصا» بدل «فيعصما» ، وهذا تحريف ، والمحتسب ١ / ١٩٧ ، وبلا نسبة في الجنى الداني ص ١٢٣ ، ورصف المباني المباني ص ٢٢٦ ، ٣٧٩ ، والمقتضب ٢ / ٢٤.
(٢) بعين مّا أرينّك : هو من الأمثال ، يضرب في الحث والإسراع وترك البطء ، ومعنا : اعمل كأني أنظر إليك. (انظر مجمع الأمثال ١ / ١٠٠).