أَوْحى) (١٠) جبريل إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ولم يذكر الموحى به تفخيما لشأنه (ما كَذَبَ) بالتخفيف والتشديد أنكر (الْفُؤادُ) فؤاد النبي (ما رَأى) (١١) ببصره من صورة جبريل (أَفَتُمارُونَهُ)
____________________________________
يَزِيدُونَ) أو على بابها ، والشك بالنسبة للرائي ، والمعنى : إذا نظرت إليه وهو في تلك الحالة ، تتردد بين المقدارين. قوله : (حتى أفاق) غاية لمحذوف أو ضمه إليه حتى أفاق ، روي أنه لما أفاق قال : يا جبريل ما ظننت أن الله خلق أحدا على مثل هذه الصورة ، فقال : يا محمد إنما نشرت جناحين من أجنحتي ، وإن لي ستمائة جناح ، سعة كل جناح ما بين المشرق والمغرب ، فقال صلىاللهعليهوسلم : إن هذا لعظيم ، فقال جبريل : وما أنا في جنب خلق الله إلا يسيرا ، ولقد خلق الله إسرافيل ، له ستمائة جناح ، كل جناح منها قدر جميع أجنحتي ، وإنه ليتضاءل أحيانا من مخافة الله تعالى ، حتى يكون بقدر الوصع ، أي العصفور الصغير ، وهذا على كلام الجمهور ، وأما على أن المراد به الرب سبحانه وتعالى ، فمعنى الاستواء : الاستعلاء والقهر ، ومعنى الدنو والتدلي : تجليه بصفة الجمال والمحبة لعبده ، على حد ما قيل في ينزل ربنا كل ليلة.
قوله : (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) هذا مفرع على قوله : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى) ومشى المفسر على أن الضمير في (أَوْحى) الأول عائد على الله تعالى ، والمراد بالعبد جبريل ، والضمير في (أَوْحى) الثاني عائد على جبريل ، وهو احتمال من ثمانية ، أفادها العلامة الأجهوري وحاصلها أن يقال : الضمير في أوحى الأول ، إما عائد على الله أو جبريل ، والثاني كذلك ، فهذه أربع ، وفي كل منها إما أن يراد بالعبد جبريل أو محمد ، فهذه ثمان اثنان منها فاسدان وهما أن يجعل الضمير في أوحى الأول عائدا على جبريل ، ويراد بالعبد جبريل ، سواء جعل الضمير في أوحى الثاني عائدا على الله أو جبريل وباقيها صحيح ، والأنسب بمقام المدح أن يعود الضمير في أوحى الأول والثاني على الله ، والمراد بالعبد محمد عليه الصلاة والسّلام ، والمعنى : أوحى الله إلى عبده محمد ما أوحاه الله إليه ، من العلوم والأسرار والمعارف التي لا يحصيها إلا معطيها ، بواسطة جبريل وبغير واسطته ، حين فارقه عند الرفرف. قوله : (ولم يذكر الموحى به تفخيما لشأنه) أي وإشارة إلى عمومه ، واختلف في هذا الموحى به ، فقيل مبهم لا نطلع عليه ، وإنما يجب علينا الإيمان به إجمالا ، وقيل هو معلوم ، وفي تفسيره خلاف ، فقيل أوحى الله إليه : ألم أجدك يتيما فآويتك؟ ألم أجدك ضالا فهديتك؟ ألم أجدك عائلا فأغنيتك؟ ألم نشرح لك صدرك ، ووضعنا عنك وزرك ، الذي أنقض ظهرك ، ورفعنا لك ذكرك؟ وقيل : أوحى الله إليه أن الجنة حرام على الأنبياء حتى تدخلها يا محمد ، وعلى الأمم حتى تدخلها أمتك. قوله : (بالتخفيف والتشديد) أي فهما قراءتان سبعيتان. فالمعنى على التشديد أن ما رآه محمد بعينه صدقه قلبه ولم ينكره ، والتخفيف قيل كذلك ، وقيل هو على إسقاط الخافض ، والمعنى ما كذب الفؤاد فيما رآه. قوله : (من صورة جبريل) بيان لما رأى ؛ وهذا أحد قولين ، وقيل هو الله عزوجل ، وعليه فقد رأى ربه مرتين ، مرة في مبادىء البعثة ، ومرة ليلة الإسراء ، واختلف في تلك الرواية فقيل : رآه بعينه حقيقة ، وهو قول جمهور الصحابة والتابعين منهم : ابن عباس ، وأنس بن مالك ، والحسن وغيرهم ، وعليه قول العارف البرعي :
وإن قابلت لفظة لن تراني |
|
بما كذب الفؤاد فهمت معنى |
فموسى خر مغشيا عليه |
|
وأحمد لم يكن ليزيغ ذهنا |
وقيل : لم يره بعينه ، وهو قول عائشة رضي الله عنها ، والصحيح الأول لأن المثبت مقدم على النافي ،