تجادلونه وتغلبونه (عَلى ما يَرى) (١٢) خطاب للمشركين المنكرين رؤية النبي صلىاللهعليهوسلم لجبريل (وَلَقَدْ رَآهُ) على صورته (نَزْلَةً) مرّة (أُخْرى) (١٣) (عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى) (١٤) لما أسري به فى السماوات ، وهي شجرة نبق عن يمين العرش لا يتجاوزها أحد من الملائكة وغيرهم (عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى) (١٥) تأوي إليها الملائكة وأرواح الشهداء والمتقين (إِذْ) حين (يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى) (١٦) من طير وغيره ، وإذ معمولة لرآه (ما زاغَ الْبَصَرُ) من النبي صلىاللهعليهوسلم (وَما طَغى) (١٧) أي ما مال بصره عن
____________________________________
أو لأن عائشة لم يبلغها حديث الرؤية ، لكونها كانت حديثة السن. قوله : (أَفَتُمارُونَهُ) بضم التاء وبالألف بعد الميم من ماراه جادله وغالبه ، أو بفتح التاء وسكون الميم من غير ألف من مريته حقه إذا علمته وجحدته إياه ، قراءتان سبعيتان. قوله : (عَلى ما يَرى) أي على ما رآه وهو جبريل على كلام المفسر ، وذات الله تعالى على كلام غيره ، وعبر بالمضارع استحضارا للحالة البعيدة في ذهن المخاطبين.
قوله : (وَلَقَدْ رَآهُ) اللام للقسم ، وقوله : (مرة) أشار بذلك إلى أن (نَزْلَةً) منصوب على الظرفية. قوله : (عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى) سميت بذلك ، إما لأنه ينتهي إليها ما يهبط من فوقها وما يصعد من تحتها ، أو لأنه ينتهي علم الأنبياء إليها ، ويعزب علمهم عما وراءها ، أو لأن الأعمال تنتهي إليها وتقبض منها ، أو لانتهاء الملائكة إليها ووقوفهم عندها ، أو لأنه ينتهي إليها أرواح الشهداء ، أو لأنه ينتهي إليها أرواح المؤمنين ، أو لأنه ينتهي إليها من كان على سنة رسول الله أقوال ، وإضافة سدرة للمنتهى ، إما من إضافة الشيء إلى مكانه ، والتقدير عند سدرة عندها منتهى العلوم ، أو من إضافة الملك إلى المالك ، على حذف الجار والمجرور ، أي سدرة المنتهى إليه ، وهو الله عزوجل ، قال تعالى : (وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى.) قوله : (لما أسري به) أي وكان قبل الهجرة بسنة وأربعة أشهر ، وقيل : كان قبلها بثلاث سنين ، والرؤية الأولى كانت في بدء البعثة ، فبين الرؤيتين نحو عشر سنين. قوله : (وهي شجرة نبق) أي وفيها الحلي والحلل والثمار من جميع الألوان ، لو وضعت ورقة منها في الأرض لأضاءت لأهلها. قيل : هي شجرة طوبى ، والصحيح أنها غيرها ، والنبق بكسر الياء وسكونها ، واختيرت السدرة لهذا الأمر دون غيرها من الشجر ، لما قيل : إن السدرة تختص بثلاثة أوصاف : ظل مديد ، وطعام لذيذ ، ورائحة ذكية ، فشابهت الإيمان الذي يجمع قولا وعملا ونية ، فظللها من الإيمان بمنزلة العمل لتجاوزه ، وطعمها بمنزلة النية لكمونه ، ورائحتها بمنزلة القول لظهوره ، قيل : إن سدرة المنتهى قالت للنبي صلىاللهعليهوسلم : استوص بإخواني في الأرض خيرا ، فقال صلىاللهعليهوسلم : «من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار» واستشكل هذا الحديث بأنه يقتضي أن قطع السدر حرام لحاجة ولغير حاجة ، مع أنه خلاف المنصوص ، وأجيب بأنه سئل أبو داود عن هذا الحديث فقال : هو مختصر وحاصله : «من قطع سدرة في فلاة يستظل بها ابن السبيل والبهائم عبثا وظلما بغير حق يكون له فيها ، صوب الله رأسه في النار» وبعد ذلك فهذا لا يخص السدر.
قوله : (عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى) حال من (سِدْرَةِ الْمُنْتَهى). قوله : (تأوي إليها الملائكة) الخ ، وقيل : هي الجنة التي أوى إليها آدم عليهالسلام إلى أن أخرج منها ، وقيل : لأن جبريل وميكائيل يأويان إليها ، فهذا وجه تسميتها جنة المأوى ، أو لأن أهل السعادة يأوون إليها. قوله : (ما يَغْشى) أبهم الموصول وصلته إشارة إلى أن ما غشيها لا يحيط به إلا الله تعالى. قوله : (من طير وغيره) ورد عنه صلىاللهعليهوسلم أنه