مرئيه المقصود له ولا جاوزه تلك الليلة (لَقَدْ رَأى) فيها (مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) (١٨) أي العظام أي بعضها ، فرأى من عجائب الملكوت رفرفا أخضر سد أفق السماء وجبريل له ستمائة جناح (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى) (١٩) (وَمَناةَ الثَّالِثَةَ) اللتين قبلها (الْأُخْرى) (٢٠) صفة ذم للثالثة ، وهي أصنام من
____________________________________
قال : «رأيت السدرة يغشاها فراش من ذهب ، ورأيت على كل ورقة ملكا قائما يسبح الله تعالى» وورد أنه عليه الصلاة والسّلام قال : «ذهب بي جبريل إلى سدرة المنتهى ، وإذا ورقها كآذان الفيلة ، وإذا ثمرها كقلال هجر ، فلما غشيها من أمر الله تعالى ما غشيها تغيرت ، فما أحد من خلق الله تعالى يقدر أن ينعتها من حسنها ، فأوحى إلي ما أوحى ، ففرض علي خمسين صلاة في كل يوم وليلة» وقيل : يغشاها أنوار التجلي وقت مشاهدة النبي صلىاللهعليهوسلم لربه ، كما تجلى على الجبل عند مكالمة موسى ، لكن السدرة أقوى من الجبل ، فالجبل صار دكا ، وخر موسى صعقا ، ولم تتحرك السدرة ، ولم يتزلزل محمد صلىاللهعليهوسلم.
قوله : (ما زاغَ الْبَصَرُ) أي ما يلتفت إلى ما غشى السدرة من العجائب المتقدمة ، لأن الزيغ هو الالتفات لغير الجهة التي تعنيه. قوله : (وَما طَغى) الطغيان مجاوزة الحد اللائق كما أفاده المفسر ، فوصف صلىاللهعليهوسلم بكمال الثبات والأدب ، مع غرابة ما هو فيه إذ ذاك ، وسبق تنزيه علمه من الضلال ، وعمله عن الغواية ، ونطقه عن الهوى ، وفؤاده عن التكذيب ، وهنا تنزه بصره عن الزيغ والطغيان مع تأكيد ذلك وتحقيقه بالأقسام ، وناهيك بذلك من رب العزة جل جلاله ثناء.
قوله : (لَقَدْ رَأى) اللام في جواب قسم محذوف. قوله : (الْكُبْرى) أفاد المفسر أن من للتبعيض ، وهو مفعول لرأى ، والكبرى صفة لآيات ، ووصفه بوصف المؤنثة الواحدة لجوازه وحسنه مراعاة الفاصلة ، وفسر الكبرى بالعظام ، إشارة إلى أنه ليس المعنى على التفضيل لعدم حصر تلك الآيات ، ووصف العظم مقول بالتشكيك فيها ، فيذهب السامع فيها كل مذهب فتدبر. قوله : (رفرفا) قيل : هو في الأصل ما تدلى على الأسرة من غالي الثياب ومن أعالي الفسطاط ، روي أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما بلغ سدرة المنتهى ، جاءه الرفرف فتناوله من جبريل وطار به إلى العرش ، حتى وقف بين يدي ربه ، ثم لما حان الانصراف تناوله فطار به ، حتى أداه إلى جبريل صلوات الله عليهما ، وجبريل يبكي ويرفع صوته بالتحميد ، فالرفرف خادم من الخدم بين يدي الله تعالى ، له خواص الأمور في محل الدنو والقرب ، كما أن البراق دابة يركبها الأنبياء ، مخصوصة بذلك في الأرض.
قوله : (أَفَرَأَيْتُمُ) استفهام إنكاري ، قصد به توبيخ المشركين على عبادتهم الأوثان ، بعد بيان تلك البراهين القاطعة الدالة على انفراده تعالى بالألوهية والعظمة ، وأن ما سواه تعالى ، وإن جلت مرتبته وعظم مقامه ، حقير في جانب جلال الله عزوجل. قوله : (اللَّاتَ) اسم صنم كان في جوف الكعبة ، وقيل : كان لثقيف بالطائف ، وقيل : اسم رجل كان يلت السويق ويطعمه الحاج ، وكان يجلس عند حجر ، فلما مات سمي الحجر باسمه ، وعبد من دون الله ، وأل في اللات زائدة زيادة لازمة كما قال ابن مالك : وقد تزاد لازما كاللات. وتاؤه قيل : أصلية وعليه فأصله ليت ، وقيل : زائدة وعليه فأصله لوى يلوي ، كأنهم كانوا يلوون أعناقهم إليها ، ويلتوون أي يعتكفون عليها ، ويترتب على القولين الوقف عليها ، فبعض القراء يقف عليها الهاء على القول بزيادتها ، وبعضهم بالتاء على القول بعدم زيادتها. قوله : (وَالْعُزَّى)