الله تعالى (وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى) (٢٣) على لسان النبي صلىاللهعليهوسلم بالبرهان القاطع فلم يرجعوا عما هم عليه (أَمْ لِلْإِنْسانِ) أي لكل إنسان منهم (ما تَمَنَّى) (٢٤) من أن الأصنام تشفع لهم ليس الأمر كذلك (فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى) (٢٥) أي الدنيا فلا يقع فيهما إلا ما يريده تعالى (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ) أي وكثيرا من الملائكة (فِي السَّماواتِ) وما أكرمهم عند الله (لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ) لهم فيها (لِمَنْ يَشاءُ) من عباده (وَيَرْضى) (٢٦) عنه لقوله : ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ، ومعلوم أنها لا توجد منهم إلا بعد الإذن فيها (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى) (٢٧) حيث قالوا : هم بنات الله (وَما لَهُمْ بِهِ) بهذا المقول (مِنْ عِلْمٍ إِنْ) ما (يَتَّبِعُونَ) فيه (إِلَّا الظَّنَ) الذي تخيلوه (وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) (٢٨) أي عن العلم فيما المطلوب فيه العلم (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى
____________________________________
قوله : (بالبرهان) حال من الهدى والباء للملابسة ، والمراد بالبرهان المعجزات. قوله : (أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى أَمْ) منقطعة تفسر ببل والهمزة ، والاستفهام إنكاري ، والمعنى : ليس للإنسان ما يتمنى ، بل يعامل بضده ، حيث تتبع هواه وخرج عن حدود الشرع ، فالمراد بالإنسان الكافر ، وهذه الآية تجر بذيلها على من يلتجىء لغير الله طلبا للفاني ، ويتبع نفسه في ما تطلبه ، فليس له ما يتمنى ، قال العارف :
لا تتبع النفس في هواها |
|
إن إتباع الهوى هوان |
وأما أهل الصدق مع ربهم ، فلهم ما يتمنون وفوق ذلك ، لوعد الله الذي لا يتخلف. قوله : (فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى) كالدليل ما قبله ، والمعنى : أنه تعالى لا يعطي ما فيهما ، إلا لمن اتبع هداه وترك هواه ، لأنه مالك للدنيا والآخرة. قوله : (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ) الخ ، هذا تقنيط للكفار ، من تعلق آمالهم بشفاعة معبوداتهم لهم. قوله : (أي وكثيرا من الملائكة) الخ ، أشار بذلك إلى أن (كَمْ) خبرية بمعنى كثيرا. قوله : (وما أكرمهم عند الله) جملة تعجبية ، جيء بها للدلالة على تشريف الملائكة وزيادة تعظيمهم ، ومع ذلك فلا تغني شفاعتهم عنهم شيئا. قوله : (لِمَنْ يَشاءُ) أي فيمن يشاء. قوله : (ومعلوم أنها لا توجد منهم) راجع لقوله : (ولا يشفعون) والقصد من ذلك التوفيق بين الآيتين ، في توقف الشفاعة على الإذن.
قوله : (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) أي وهم مشركو العرب ، إن قلت : كيف يقال إنهم غير مؤمنين بالآخرة ، مع أنهم يقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله؟ أجيب : بأنهم غير جازمين بالآخرة ، بدليل قوله تعالى حكاية عنهم (وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى) وإنما اتخذوهم شفعاء على سبيل الاحتمال. وأجيب أيضا : بأنهم لا يؤمنون بالآخرة على الوجه الذي بينته الرسل. قوله : (تَسْمِيَةَ الْأُنْثى) أي تسمية الإناث ، وذلك أنهم رأوا في الملائكة تاء التأنيث ، وصح عندهم أن يقال : سجدت الملائكة ، فقالوا : الملائكة إناث ، وجعلوهم بنات الله لكونهم لا أب لهم ولا أم. قوله : (بهذا المقول) أي هم بنات الله.
قوله : (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ) أي لأنهم لم يشاهدوا خلقهم ، ولم يسمعوا ما قالوه من رسول ، ولم يروه في كتاب ، بل عولوا على مجرد ظنهم الفاسد ، ولو أذعنوا للقرآن وللنبي ، لأفادهم صحة التوحيد