للعقلاء (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ) ذاته (ذُو الْجَلالِ) العظمة (وَالْإِكْرامِ) (٢٧) للمؤمنين بأنعمه عليهم (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (٢٨) (يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي بنطق أو حال ما يحتاجون إليه من القوة على العبادة والرزق والمغفرة وغير ذلك (كُلَّ يَوْمٍ) وقت (هُوَ فِي شَأْنٍ) (٢٩) أمر يظهره على وفق ما قدره في الأزل من إحياء وإماتة وإعزاز وإذلال وإغناء وإعدام وإجابة داع وإعطاء سائل وغير ذلك (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (٣٠) (سَنَفْرُغُ لَكُمْ) سنقصد لحسابكم (أَيُّهَ الثَّقَلانِ) (٣١) الإنس والجن (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (٣٢) (يا مَعْشَرَ الْجِنِ
____________________________________
لرسول الله صلىاللهعليهوسلم اعتناء بشأنه ، وإما لأي سامع ، ليعلم كل أحد أن غير الله فان. قوله : (ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) فيه وعد ووعيد ، فبوصف الجلال إفناء الخلق وتعذيب الكفار ، وبوصف الإكرام إحياؤهم وإثابة المؤمنين ، و (ذُو) بالرفع في قراءة العامة نعت للوجه ، وقرىء شذوذا بالجر صفة للرب ، وأما في آخر السورة فالقراءتان سبعيتان.
قوله : (يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي لأنهم مفتقرون إليه تعالى في جميع لحظاتهم ، قال ابن عباس : أهل السماوات يسألون المغفرة ولا يسألون الرزق ، وأهل الأرض يسألونهما جميعا ، وقال ابن جريج : تسأله الملائكة الرزق لأهل الأرض ، فسؤال خير الدنيا والآخرة صادر من كل من أهل السماوات والأرض ، وفي الحديث : «إن من الملائكة ملكا له أربعة أوجه : وجه كوجه الإنسان ، يسأل الله تعالى الرزق لبني آدم ، ووجه كوجه الأسد ، يسأل الله تعالى الرزق للسباع ، ووجه كوجه الثور ، يسأل الله تعالى الرزق للبهائم ، ووجه كوجه النسر ، يسأل الله تعالى الرزق للطير». قوله : (بنطق) أي بلسان المقال ، وقوله : (أو حال) أي بلسان الحال وهو الذل والاحتياج.
قوله : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ كُلَ) ظرف منصوب بالمحذوف الذي تعلق به الجار والمجرور بعده ، والمراد باليوم اللحظة من الزمن ، وبالشأن التصريف في خلقه ، لما ورد : إن الإنسان يخرج منه في اليوم والليلة أربعة وعشرون ألف نفس ، في كل نفس تحمل مائة ألف ، ويولد مائة ألف ، ويعز مائة ألف ، ويذل مائة ألف ، ويفرج عن مائة ألف ، وفي رواية : في كل واحدة ستمائة ألف ، وحكي أن ابن الشجري كان يقرر في درسه هذه الآية ، فجاءه الخضر وقال له : ما شأن ربك اليوم؟ فأطرق برأسه وقام متحيرا ، فنام فرأى النبي صلىاللهعليهوسلم في منامه ، فعرض عليه السؤال فقال له : السائل لك الخضر ، فإن أتاك وسألك فقل له شؤون يبديها ولا يبتديها ، يرفع أقواما ويضع آخرين ، فلما أصبح أتاه وسأله فأجابه بذلك ، فقال له : صلّ على من علمك. قوله : (أمره يظهره) الخ ، أي فالشأن صفة فعل ، وقوله : (من إحياء) الخ ، بيان له ، فالتغير راجع للمصنوعات ، وأما ذاته تعالى وصفاته ، فيستحيل عليها التغير ، فهو يغير ولا يتغير.
قوله : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) أي بأي نعمة من تلك النعم التي أنشأها خالقكما ومدبركما تكفران بها؟ قوله : (سنقصد لحسابكم) جواب عما يقال : إن الله لا يشغله شأن عن شأن ، فكيف قال : (سَنَفْرُغُ لَكُمْ) فأجاب بما ذكر ، وإيضاحه أن تقول : الفراغ من الشيء ، يطلق على التفرغ من الشواغل ، وهو بهذا المعنى مستحيل عليه تعالى ، ويطلق على القصد للشيء والإقبال عليه وهو المراد هنا ، والمراد بالقصد في كلام المفسر الإرادة ، وحينئذ فيكون معناه سأريد حسابكم ، وهذا لا يظهر إلا على