وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا) تخرجوا (مِنْ أَقْطارِ) نواحي (السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا) أمر تعجيز (لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ) (٣٣) بقوّة ولا قوّة لكم على ذلك (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (٣٤) (يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ) هو لهبها الخالص من الدخان أو معه (وَنُحاسٌ) أي دخان لا لهب فيه (فَلا تَنْتَصِرانِ) (٣٥) تمتنعان من ذلك بل يسوقكم إلى المحشر (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما
____________________________________
القول ، بأن للإرادة تعلقا تنجيزيا حادثا ، وأما على القول بنفيه فلا يظهر ، فكان المناسب له أن يقول : سأحاسبكم ، وفي الآية وعد للطائعين ووعيد للعاصين. قوله : (أَيُّهَ الثَّقَلانِ) تثنية ثقل بفتحتين ، سيما بذلك لأنهما أثقلا الأرض ، أو حصل لهما الثقل والتعب بالتكاليف. قوله : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) أي التي من جملتها : إثابة أهل الطاعات وعقاب أهل المعاصي.
يقول : سأحاسبكم ، وفي الآية وعد للطائعين ووعيد للعاصين. قوله : (أَيُّهَ الثَّقَلانِ) تثنية ثقل بفتحتين ، سميا بذلك لأنهما أثقلا الأرض ، أو حصل لهما الثقل والتعب بالتكاليف. قوله : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) أي التي من جملتها : إثابة أهل الطاعات وعقاب أهل المعاصي.
قوله : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) الخ ، هذا إلزام وتعجيز ، لمن لم يرض بقضاء الله وقدره ، وهو إشارة لمعنى حديث قدسي : «من لم يرض بقضائي ويصبر على بلائي ، فليخرج من تحت سمائي ، ويتخذ ربا سوائي». وعلى هذا فالخطاب يقال لهما في الدنيا ، وقيل : يقال لهما هذا يوم القيامة لما ورد : إذا كان يوم القيامة ، أمر الله السماء الدنيا فتشقق بأهلها ، فتكون الملائكة على حافاتها ، حتى يأمرهم الرب فينزلون إلى الأرض ، فيحيطون بالأرض ومن فيها ، ثم يأمر الله السماء التي تليها كذلك فينزلون فيكونون صفا خلف ذلك الصف ، ثم السماء الثالثة ثم الرابعة ثم الخامسة ثم السادسة ثم السابعة ، فتنزل ملائكة الرفيق الأعلى ، فلا تأتون قطرا من أقطارها ، إلا وجدوا صفوفا من الملائكة ، فذلك قوله تعالى (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ) الآية ، والحكمة في تقديم الجن هنا على الإنس ، وتأخيرهم عنهم في قوله تعالى : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ) أن الجن أقوى من الإنس ، فقدموا فيما يتعلق بالهروب ، والإنس أفصح من الجن ، فقدموا فيما يتعلق بالمعارضة بالقرآن ، فقدم في كل موضع ما يناسبه. قوله : (قوة) هذا أحد قولين في تفسير السلطان ، وقيل هو البينة والحجج الواضحة. قوله : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما) أي من التنبيه والتحذير والعفو ، مع كمال القدرة على العقوبة.
قوله : (يُرْسَلُ عَلَيْكُما) إما جملة مستأنفة قصد بها بيان أهوال يوم القيامة ، وهذا على القول بأن الخطاب المتقدم في الدنيا ، وأما على القول بأنه في الآخرة ، فالكلام مرتبط ببعضه وليس مستأنفا. قوله : (شُواظٌ) بكسر الشين وضمها ، قراءتان سبعيتان ولغتان بمعنى واحد. قوله : (وهو لهبها الخالص من الدخان) هذان قولان من أربعة ، وقيل هو اللهب الأحمر ، وقيل هو الدخان الخارج من اللهب. قوله : (وَنُحاسٌ) إما بالرفع عطف على (شُواظٌ) أو الجر عطف على (نارٍ) قراءتان سبعيتان ، لكن قراءة الجر لا بد فيها من كسر شين (شُواظٌ) أو إمالة (نارٍ) فمن قرأ بجر (نُحاسٌ) بدون أحد الأمرين ، فقد وقع في التلفيق. قوله : (أي دخان) الخ ، هذا التفسير إنما يناسب قراءة الرفع لا الجر ، وإلا فيصير المعنى : يرسل عليكما شواظ ، أي لهب من نحاس ، أي دخان لا لهب فيه ، وهو لا يصح إلا أن يقال الشواظ يطلق بالاشتراك على اللهب الخالص والدخان.