النار ، وهو منقوص كقاض (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (٤٥) (وَلِمَنْ خافَ) أي لكل منهم أو لمجموعهم (مَقامَ رَبِّهِ) قيامه بين يديه للحساب فترك معصيته (جَنَّتانِ) (٤٦) (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (٤٧) (ذَواتا) تثنية ذوات على الأصل ، ولامها ياء (أَفْنانٍ) (٤٨) أغصان جمع فنن كطلل (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (٤٩) (فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ) (٥٠) (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (٥١)
____________________________________
النار ، فيغمسون بأغلالهم فيه حتى تنخلع أوصالهم ، ثم يخرجون منها ، وقد أحدث الله لهم خلقا جديدا فيلقون في النار ، فذلك قوله تعالى : (يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ.) قوله : (وهو منقوص كقاض) أي فيقال : أنى يأني ، كقضى يقضي ، فهو آن كقاض ، وأصله آني ، استثقلت الضمة على الياء فحذفت فالتقى ساكنان ، حذفت الياء لالتقاء الساكنين.
قوله : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ) أي لكل شخص خائف ، سواء كان من الإنس أو من الجن ، فالجن كالإنس في النعيم ، وهو ما عليه الأئمة الثلاثة ، وقال أبو حنيفة : إن من مات من الجن مسلما ، يصير ترابا كالبهائم ، ولا حظ له في النعيم. قوله : (أي لكل منهم) أي لكل فرد من أفراد الخائفين جنتان ، واختلف في المراد بالجنتين اللتين يعطاهما كل خائف ، فقيل جنة لعقيدته وجنة لعمله ، وقيل جنة لطاعته ، وقيل جنة لترك المعاصي ، وقيل جنة يثاب بها وجنة يتفضل بها عليه ، وقيل إحدى الجنتين منزله ، والأخرى منزل أزواجه ، كعادة الأكابر في الدنيا ، وقيل إحدى الجنتين مسكنه والآخر بستانه ، وقيل إحدى الجنتين خلقت له ، والأخرى جنة ورثها من الكفار ، وعلى كل من الأقوال تسمى إحداهما جنة عدن ، والأخرى جنم النعيم ، وروي عن ابن عباس في وصف الجنتين أنه قال : الجنتان بستانان في عرض الجنة ، كل بستان مسيرة مائة عام ، في وسط كل بستان دار من نور ، وليس منهما شيء إلا يهتز نعمة وخضرة ، قرارها ثابت ، وشجرها نابت ، وقيل : المراد بالجنتين جنة واحدة ، وإنما ثنى رعاية للفواصل. قوله : (أو لمجموعهم) أي إن الكلام على سبيل التوزيع ، فإحدى الجنتين للخائف الإنسي ، والأخرى للخائف الجني ، فكل خائف ليس له إلا جنة واحدة ، والأول هو المعتمد. قوله : (قيامه بين يديه) الخ ، أشار بذلك إلى أن المقام مصدر ميمي بمعنى القيام ، وهو أحد احتمالات ثلاث في تفسير المقام ، والثاني أنه اسم مكان ، أي خاف مكان وقوفه للحساب ، والثالث أنه مصدر ميمي بمعنى قيام الله عزوجل على الخلائق ، أي إشرافه واطلاعه عليهم ومناقشته لهم في الحساب. قوله : (فترك معصيته) أي فتسبب عن خوفه تركه المعاصي ، واعلم أن الخوف مرتبتان : مرتبة العامة وهي خوف تعذيب الله إياهم ، ومرتبة الخاصة وهي خوف جلال الله وهيبته ، وفيها فليتنافس المتنافسون ، وللعارفين تفسير آخر وهو أن المراد بالخوف خوف الإجلال والتعظيم والهيبة ، والمراد بالجنتين : جنة الشهود في الدنيا بالقلب وفي الآخرة بالإبصار ، وجنة الثواب في الآخرة لا غير. قوله : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما) أي نعمه (تُكَذِّبانِ ،) أبتلك النعم التي من جملتها الجنة ونعيمها أم بغيرها؟ قوله : (ذَواتا أَفْنانٍ) إما صفة الجنتان أو خبر لمحذوف أي هما. قوله : (تثنية ذوات) أي الذي هو مفرد. قوله : (على الأصل) أي وذلك لأن أصلها ذوي ، تحركت الياء وانفتح ما قبلها قلبت ألفا فصار ذوى كفتى ، فهذه الألف لام الكلمة ، وإنما قلبت الياء ألفا دون الواو ، مع أن كلا منهما متحرك ، وما قبله مفتوح لأنها ظرف ، والظرف في محل تغيير ، ولم ترد هذه الألف في التثنية إلى الياء ، فيقال : ذويتان ، لأنه لما زيدت التاء في هذا اللفظ ، تحصنت الألف من الرد إلى الياء ، وما في الآية هو